استخدام الذكاء الصناعي في قطاع الطاقة في الأردن: الحوكمة والإدارة المثلى

يعتبر قطاع الطاقة من القطاعات الحيوية التي تؤثر بشكل مباشر على المجتمع والاقتصاد على حد سواء, ففي ظل التقدم التكنولوجي المستمر، بات الذكاء الصناعي AI جزءًا لا يتجزأ من استراتيجيات تعزيز الإدارة المثلى وتحسين كفاءة قطاع الطاقة واستغلال الموارد, كما أنه يشكل فرصة لتطوير التعاون بين القطاعات المختلفة، كل ذلك يصب في تحقيق مكاسب بيئية واقتصادية واجتماعية مختلفة.

في هذا الصدد, وقع الأردن عقد تنفيذ استعمال الذكاء الصناعي  في نظام التخطيط والتشغيل للأحمال الكهربائية، وذلك في إطار اتفاقية التعاون الفني المشترك الموقعة بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة والوكالة اليابانية للتعاون الدولي وشركة ألجيبرا، لبناء وتطوير المنظومة الداعمة للذكاء الاصطناعي، وتطبيق حالات استخدامه في القطاعات ذات الأولوية في البلاد.

AI in energy management

دور الذكاء الصناعي في إدارة الطاقة

يمكن للذكاء الصناعي أن يلعب دورًا حيويًا في إدارة الطاقة والتحول الفعّال والمستدام إلى الطاقة البديلة وتحسين طرق التخزين وتقليل التأثير البيئي, إليك بعض أدواره الرئيسية في هذا المجال:

1. التشاركية وتحليل البيانات الضخمة لإدارة الموارد

من أكبر المعضلات التي تواجه قطاع الطاقة في الأردن هو محدودية التعاون الفعال بين القطاعات المختلفة مثل القطاع الصناعي والتجاري والزراعي والبيئي, وهنا يأتي دور AI لتعزيز التشاركية وذلك من خلال بناء أنظمة تعتمد على تحليل البيانات الضخمة وتوقع الاحتياجات المستقبلية للطاقة في كل قطاع. حيث تعمل أنظمة AI على تسهيل إدارة الشبكات الذكية وتبادل المعلومات بين الجهات المختلفة, فمثلاً، يمكن لهذه الأنظمة توفير بيانات دقيقة عن استهلاك الطاقة في مختلف القطاعات، مما يساعد الجهات الحكومية على التنبؤ بالطلب واتخاذ قرارات تتعلق بتحسين توزيع الطاقة وتحديد مناطق الازدحام وأوقات الذروة.

2. تقليل الفاقد والنفايات

تعتبر المحاكاة والنماذج التنبؤية من الأدوات الحيوية التي يعتمد عليها AI في تحسين قطاع الطاقة, حيث تتيح هذه الأدوات محاكاة مختلف السيناريوهات المتعلقة بإنتاج واستهلاك الطاقة والتنبؤ بالاحتياجات المستقبلية. حيث يمكن للذكاء الصناعي -من خلال المحاكاة والأنظمة التنبؤية والبرمجيات المتقدمة- أن يحد من الفاقد الكبير في الإنتاج والنقل والتوزيع, وذلك عبر المراقبة المستمرة لأداء الشبكات وتحديد المواقع والعمليات التي تعاني من الكفاءة المنخفضة, وتحسين جداول الإنتاج وتوزيع الموارد بما يتناسب مع الاحتياجات الفعلية، كما يمكن استخدام الأتمتة في الصيانة التنبؤية لتحديث شبكات الكهرباء وتحسين أداءها وتحديد أي خلل قبل أن تفاقمه، مما يقلل من الفاقد وتكلفة الإنتاج ويحسن من كفاءة التشغيل. تجارب في عدة دول، مثل ألمانيا، أظهرت أن استخدام الذكاء الصناعي يمكن أن يقلل استهلاك الطاقة بنسبة تصل إلى 30%.

3. المجتمعات المحلية

تلعب المجتمعات المحلية دورًا جوهرياً في نجاح أي مبادرة تتعلق بتطوير قطاع الطاقة, فمثلاً، يمكن تطوير تطبيقات ذكية للمستخدمين, والتي تعمل على تزويدهم بمعلومات دقيقة لتتبع استهلاك الطاقة في منازلهم ومؤسساتهم وتقديم نصائح لتقليل الفواتير ولتحسين كفاءة استهلاكها. كما يمكن أن تساعد المجتمعات المحلية في جمع البيانات اللازمة لتطوير أنظمة AI، وذلك من خلال تقديم المعلومات حول احتياجاتها من الطاقة وظروفها البيئية, يعزز هذا التعاون من قدرة الذكاء الصناعي على تقديم حلول مخصصة تتناسب مع الظروف المحلية.

energy efficiency in MENA

4. الذكاء الصناعي التوليدي

يتيح الذكاء الصناعي التوليدي (Generative AI) استحداث حلول جديدة لإدارة الطاقة وتقييم استهلاكها بطرق لم تكن متوفرة من قبل, فمن خلاله يمكن تقديم حلول مخصصة لكل مجتمع أو قطاع بناءً على بياناته الفريدة مما يساعد على تحسين كفاءة الاستخدام وتقليل الهدر.كما يمكن للذكاء التوليدي أن يطور نماذج جديدة لإنتاج الطاقة من مصادر متجددة، وذلك من خلال محاكاة الظروف المختلفة واختيار الحلول المثلى بناءً على البيانات المتاحة.

5. تطوير الطاقة المتجددة: وذلك عن طريق

  • التوجيه والتحكم: بناءً على توقعات الطقس والبيانات التاريخية, يمكن استخدام المحاكاة لتحليل تأثير العوامل الجوية على إنتاج طاقتي الشمس والرياح, وتعديل الإنتاج لمطابقة الطلب وذلك عبر مراقبة الأداء وضبط التشغيل، وتحديد أفضل المواقع لبناء محطات الطاقة المتجددة.
  • إدارة المصادر المتجددة وتحسين استخدامها من خلال تحسين عمليات التوزيع والتخزين وذلك من خلال تحديد الأوقات المثلى للشحن والتفريغ، مما يزيد من كفاءة استخدام الطاقة, وأيضاً عبر استخدام النماذج للتنبؤ بأوقات الذروة في استهلاك الكهرباء، مما يساعد على تحسين إدارة الطلب وتخفيف الأحمال على الشبكات الكهربائية.
  • تقييم المشاريع وتحليل الجدوى الاقتصادية لمشاريع الطاقة المتجددة وتقديم توصيات مبنية على بيانات السوق والاتجاهات العالمية.
  • التكاملية والتنسيق بين مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة.
  • تصميم تقنيات جديدة للتخزين مثل البطاريات المتقدمة.
  • تحليل التأثير البيئي: يساعد في تقليل الانبعاثات من خلال تحسين كفاءة استخدام الطاقة وتقليل الفاقد.

التحديات التي تواجه تطبيق الذكاء الصناعي في قطاع الطاقة

  1. توافر البيانات ودقتها :تحتاج تطبيقات AI إلى كميات ضخمة من البيانات الدقيقة والتي قد تكون غير متاحة أو غير موثوقة.
  2. تكاليف التنفيذ: يمكن أن يكون تطويروتنفيذ حلول AI مكلفًا، مما يشكل عقبة أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة.
  3. قضايا الخصوصية والأمان: يتطلب استخدام AI جمع وتحليل البيانات الشخصية, وعليه فإنه من الضروري وضع أطر قانونية صارمة تضمن حماية خصوصية البيانات، وتحديد الجهات المخولة بالوصول إلى هذه المعلومات. كما يجب ضمان أن تكون عمليات جمع البيانات وتحليلها شفافة وغير متحيزة، لضمان عدم استخدام هذه البيانات لأغراض غير قانونية أو انتهاك حقوق الأفراد والمؤسسات.
  4. التكامل مع الأنظمة القائمة: يمكن أن يكون دمج تقنيات AI مع الأنظمة الحالية معقدًا ويتطلب وقتًا ومجهودًا.
  5. نقص الخبرات مما يؤثر على القدرة على التنفيذ الفعال.

الذكاء الصناعي واستهلاك الطاقة

هنالك قلق متزايد حول التأثير البيئي لاستخدام AI, وذلك لأن تشغيل النماذج الكبيرة يحتاج الى مراكز بيانات ضخمة ومتطورة والتي تعمل غالباً على مدار الساعة مما يزيد من استهلاك الطاقة على المدى البعيد. أضف إلى ذلك, أن تشغيل مراكز البيانات ومعالجتها ونقلها وتخزينها وتدريب نماذج AI يساهم أيضاً في زيادة استهلاك الطاقة بشكل ملحوظ. تتخذ بعض الدول كالسويد والنمسا موقفاً حذراً بشأن استخدام AI بسبب هذه المخاوف، تلك الدول تدرك أن استخدام AI قد يعزز الكفاءة في بعض المجالات، لكنها في الوقت نفسه تسعى لإيجاد توازن مع التزاماتها البيئية.

ماذا بعد؟

كما تبين سابقاً, يشكل AI فرصة قيمة لتطوير قطاع الطاقة في الأردن, حيث يمكن استغلاله لتحليل كم هائل من البيانات واستخراج رؤى قابلة للتنفيذ وتحديد الأنماط، كما يمكنه تعزيز التشاركية وتقليل الفاقد والنفايات، وتحسين استهلاك الموارد وتخزين الطاقة البديلة. ومع ذلك، فإنه يجب تسليط الضوء على الجوانب الأخلاقية المتعلقة بحماية الخصوصية، لضمان الشفافية, مع الأخذ بعين الاعتبار معالجة التحديات الأخرى التي تواجه تطبيق الذكاء الاصطناعي مثل نقص البنية التحتية التقنية الملائمة، ونقص البيانات الموثوقة والدقيقة والتي تؤثر على فعالية النماذج. كما يتطلب التطبيق الفعال للذكاء الاصطناعي استثمارات كبيرة في التطوير والبحث. تضاف إلى ذلك التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية، مما يستدعي تحسين كفاءة استهلاك الطاقة ووضع أطر تنظيمية مناسبة تضمن الاستخدام المستدام للتكنولوجيا.

Tagged , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Nura A. Abboud

Nura A. Abboud is an environmental activist and Founder of the Jordanian Society for Microbial Biodiversity (JMB), the only NGO in the Middle East concerning the microbial biodiversity. Nura specializes in molecular biology, biological sciences, microbial biodiversity, genetic fingerprinting and medical technologies. Her vision is to establish an eco-research center in the astonishing desert south of Jordan. She has received several scholarships and awards including honorary doctorate in Environmental leadership.

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.