تندرج الصحة البيئية ضمن فروع الصحة العامة والتي تهدف إلى تحسين جودة الحياة وتقليل المخاطر الصحية الناجمة عن الظروف البيئية المختلفة, وتتضمن مجالاتها العمل على توعية المجتمع وتطوير السياسات الصحية, كما تعنى الصحة البيئية في دراسة وتقييم أثر العوامل البيئية المختلفة على صحة الإنسان ورفاهيته. تشمل هذه العوامل :
- التلوث: مثل تلوث الماء والهواء والتربة، وما يترتب عليه من آثار صحية.
- المواد الكيميائية: مثل البلاستيك والمبيدات الحشرية والمواد الصناعية.
- العوامل الفيزيائية: مثل الضجيج والإشعاع.
- الظروف البيئية: كالسكن والنقل والتخطيط العمراني.
- الصحة النفسية وتأثير المساحات الخضراء على الرفاه النفسي.
- انتشار الأمراض المعدية وارتباطها بالتغيرات البيئية والاستجابة للأوبئة.
- إدارة النفايات بشكل آمن ومستدام.
- المياه النظيفة والصرف الصحي.
- الممارسات الزراعية المستدامة وتعزيز الأمان الغذائي.
تعد الصحة البيئية مسألة حيوية تؤثر بشكل مباشر على جودة الحياة ورفاهية المجتمعات, ومع تزايد التحديات البيئية العالمية، أصبحت الحاجة إلى استخدام التقنيات الحديثة، مثل الذكاء الصناعي، أمراً ضرورياً لتعزيز الصحة البيئية, إذ تمتلك التكنولوجيا الحديثة القدرة على تحسين الظروف البيئية. وبالرغم من التحديات المختلفة, تسعى الأردن جاهدة لتحقيق الاستدامة بيئية، ومن هنا يأتي دور الذكاء الصناعي كأداة واعدة تساعد في إدارة هذه التحديات.
تحديات الصحة البيئية في الأردن
يتميز الأردن بتنوع بيئته الطبيعية، إلا أنه يواجه العديد من التحديات في مجال الصحة البيئية, من بينها يبرز شح المياه والذي يؤثر على الزراعة والصحة العامة وكافة المجالات بلا استثناء. كما يعتبر تلوث الهواء إحدى المشاكل الرئيسية التي تعاني منها المدن الكبرى مثل عمان والزرقاء نتيجة لدخان المصانع والمواصلات. كما يواجه الأردن تحدي إدارة النفايات التي تؤثر إذا لم تعالج بالشكل الصحيح على صحة البيئة والسكان سلباً على حد سواء.
أدوات الذكاء الصناعي
يمتلك الذكاء الصناعي مجموعة من الأدوات المبتكرة والقادرة على تحسين الرفاهية العامة وتعزيز فعالية إدارة الصحة البيئية في الأردن, فباستخدام النماذج التنبؤية وأجهزة الاستشعار المدعومة بالذكاء الصناعي يمكن مراقبة جودة الهواء وقياس مستويات الملوثات مثل ثاني أكسيد النيتروجين والجسيمات الدقيقة في مدن أردنية مختلفة, والذي من شأنه أن يساعد السلطات المحلية في توقع وتحديد الأنماط المكانية والزمانية لتدهور جودة الهواء اعتماداَ على العوامل المرورية والجوية, مما يعزز قدرتها على اتخاذ إجراءات سريعة وفعالة للحد من انبعاث الملوثات، مثل تنظيم الحركة المرورية وتشجيع استخدام وسائل النقل العامة.
كما يمكن استعمال الذكاء الصناعي في تطوير تطبيقات تفاعلية على الهواتف المحمولة, والتي تتيح للمستخدمين الوصول إلى معلومات فورية حول جودة الهواء في مناطقهم, مما يمكنهم من اتخاذ قرارات مدروسة بشأن الخروج أو ممارسة الأنشطة في الهواء الطلق, كما يمكن لهذه التطبيقات أن تكون أداة توعوية وذلك من خلال تقديم تعليمات حول كيفية تحسين السلوكيات البيئية مما يعزز المشاركة المجتمعية.
أضف إلى ذلك, القدرة على استعمال الذكاء الصناعي كأداة واعدة لتحسين عمليات جمع النفايات وإعادة التدوير،حيث يمكن استخدامه في تطوير أنظمة إدارة النفايات وتحليل البيانات المتعلقة بكمياتها وأماكن تجمعها الأكثر زخماً، مما يساعد في تقليل التلوث.
علاوة على ذلك, فإنه يمكن للذكاء الصناعي ومن خلال تحليل البيانات المختلفة أن يلعب دورًا في التنبؤ بتفشي الأمراض المرتبطة بالعوامل البيئية, مما يعزز استجابة النظام الصحي واتخاذ التدابير اللازمة للوقاية. كما تسهم تكنولوجيا الذكاء الصناعي في الأرصاد الجوية في تحليل بيانات الطقس وتوقع التغيرات المناخية والتنبؤ بالكوارث الطبيعية مثل الفيضانات أو الجفاف، مما يسمح باتخاذ إجراءات وقائية لحماية السكان.
يعتبر الذكاء الصناعي أداة قوية لتحسين كفاءة استخدام المياه وتقليل استهلاكها وبالتزامن مع تحسين الإنتاجية وإدارة نظم الري, إذ يمكن من خلاله تقليل الهدر المائي وتحديد مناطق الفقد في شبكات المياه,
وتعديل استراتيجيات الري بناءً على البيانات المناخية. كما يسهم الذكاء الصناعي في تخطيط المدن المستدامة وتحليل بيانات التخطيط الحضري، مما يساعد في تصميم مساحات حضرية أكثر استدامة وصديقة للبيئة.
محاذير استعمال الذكاء الصناعي في الادارة الصحية البيئية
هناك بعض السلبيات والتحديات المرتبطة بتطبيق الذكاء الصناعي في ادارة الصحة البيئية, منها محدودية الموارد المالية في الدول النامية, إذ يتطلب تطوير وتنفيذ هذه التكنولوجيا استثمارات كبيرة في تهيئة البنية التحتية والتدريب. أضف إلى ذلك تحدي دقة المعلومات وتوافرها, حيث تتوقف دقة نتائج الذكاء الصناعي على جودة البيانات المدخلة, فإذا كانت البيانات غير دقيقة، فإن النتائج ستكون مضللة مما يؤدي الى اتخاذ قرارات خاطئة, خاصة فيما يتعلق بالمجتمعات الأقل حظاً. كما يعتمد الذكاء الصناعي على كميات هائلة من المعلومات والتي قد يتعذر جمعها في بعض المناطق.
تتعلق بعض المحاذير بالنواحي الانسانية, فقد يؤدي الاستخدام المفرط للذكاء الصناعي إلى تجاهل الخبرة البشرية وتقليل الاعتماد على العمالة البشرية في بعض القطاعات مما يعيق الحلول المستدامة, كما يثير استعمال الذكاء الصناعي مخاوف تتعلق بالأمان والخصوصية.
أما السلبيات البيئية, فهي تتعلق مباشرة باستهلاك تقنيات الذكاء الصناعي الكبير للطاقة، مما يساهم في زيادة الانبعاثات الكربونية إذا لم يتم استخدام مصادر الطاقة المتجددة. ومع تزايد استخدام الأجهزة الذكية, سيؤدي ذلك حتماَ إلى ارتفاع نسبة النفايات الإلكترونية، حيث غالبًا ما تتطلب هذه الأجهزة تحديثات متكررة, مما يجعل إدارة النفايات الالكترونية وإعادة تدويرها تحديًا كبيرًا. كما أن استعمال الذكاء الصناعي سيشكل ضغطأ على المصادر المائية حيث تحتاج بعض عمليات إنتاج الأجهزة الذكية إلى كميات كبيرة من المياه, بالإضافة إلى حاجة مراكز البيانات إلى أنظمة تبريد تعتمد على المياه.
التوصيات
يمثل استخدام الذكاء الصناعي لادارة الصحة البيئية في الأردن خطوة هامة نحو تحسين جودة الحياة وتحقيق مستقبل أكثر استدامة. فمن خلال الاستثمار في هذه التكنولوجيا العصرية، تأمل الأردن في معالجة التحديات البيئية بصورة أكثر فعالية، و تعزيز بناء بيئة صحية لأجيالها القادمة. ومع ذلك، يتطلب هذا التحول استثماراً في الموارد البشرية والبنية التحتية, فضلاً عن تشجيع الابتكار وتعزيز الوعي المجتمعي حول أهمية التكنولوجيا, وذلك من خلال تقديم ورش العمل والندوات. ولنجاح استخدام الذكاء الصناعي في إدارة الصحة البيئية، يجب أن يكون تتكامل الجهود بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. كما تعتبرمشاركة الجامعات والمراكز البحثية ضرورة ملحة لتقديم الدعم في مجالات البحث والتطوير لضمان نجاح هذه المبادرات.
وكما تم توضيحه سابقاً, فإن تسخير الإمكانيات الكاملة للذكاء الصناعي يتيح لنا تحقيق تحسينات ملحوظة في الصحة البيئية, والتي تشكل جزءاً جوهرياً في بناء مستقبل أفضل للأردن. وبينما يمكن للذكاء الصناعي أن يساهم في تحسين الكفاءة وتقليل الهدر وتحسين فهمنا للتحديات البيئية وتقديم حلول مبتكرة والتنبؤ بالمخاطر البيئية، إلا أن استخدامه على نطاق واسع قد يتسبب في مشاكل بيئية إضافية إذا لم يتم تبني استراتيجيات مستدامة. لذا، فإن التعامل مع هذه القضايا يتطلب التفكير النقدي والتخطيط المدروس والتشاركية بين القطاعات المختلفة لضمان استخدام الذكاء الصناعي بطريقة تعزز الصحة البيئية وتحافظ على الحقوق الإنسانية وتدعم الاستدامة.