الذكاء الاصطناعي وإدارة الموارد المائية في الأردن: تعزيز التشاركية من أجل الاستدامة

تعد الأردن واحدة من أكثر الدول التي تعاني من شح المياه فى العالم، يعزى ذلك إلى موقعها الجغرافي وندرة الموارد الطبيعية والنمو السكاني, ومما زاد المشكلة سوءا موجات اللجوء والتغير المناخي, بالإضافة إلى معدلات الفاقد العالية حيث تهدر كميات كبيرة من المياه نتيجة التسريبات والتلوث .لذلك فإنه يتحتم مواجهة التحديات الكبيرة والمتزايدة التي تتعلق بتوفيرالمياه للسكان والقطاعات الحيوية المختلفة, بأساليب مختلفة منها ما يتعلق بتحسين إدارة الموارد المائية والتي يجب أن تعتمد على الاستراتيجيات المستدامة والتكنولوجيا الحديثة ومنها الذكاء الصناعي (AI).

use of AI in water management

دور الذكاء الصناعي في إدارة المياه

يعرف الذكاء الاصطناعي بأنه فرع من علوم الحاسوب والذي يهدف إلى تطوير أنظمة قادرة على محاكاة القدرات الذهنية البشرية مثل التعلم  والتفكير والاستنتاج. يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل البيانات واتخاذ قرارات بناءً على هذا التحليل والتفاعل مع البشر بطرق ذكية, كما يمكنه أن يلعب دوراٌ مهماٌ في تحسين كفاءة استهلاك الموارد المائية عبر عدة طرق:

  1. المحاكاة والنماذج التنبؤية: وهي من الأدوات الفعالة التي يمكن استخدامها للتنبؤ بالطلب على المياه وتحديد المناطق الأكثرعرضة للجفاف. فباستخدام تقنيات الذكاء الصناعي، يمكن تحليل البيانات المناخية المختلفة لتوقع الاحتياجات المائية المستقبلية وتخطيط استراتيجيات تخزين المياه بصورة أفضل.توفر هذه النماذج قدرة على التعامل مع التعقيدات المتعددة لمشاكل المياه من خلال السيناريوهات المستقبلية واتخاذ قرارات تعتمد على البيانات.
  2. أتمتة شبكات المياه وتقليل الفاقد: فمن خلال تركيب أجهزة استشعار ذكية وبرمجيات تحليل البيانات، يمكن رصد حالات الفاقد في الشبكة بشكل سريع وتحديد الموقع بدقة. هذه الأتمتة تساعد في تقليل الخسائر المائية وتوجيه عمليات الصيانة بشكل أكثر كفاءة.
  3. مراقبة الموارد وتقييم الاستهلاك: حيث يمكن تحليل البيانات المجمعة من المستشعرات والمحطات المائية لقياس نسبة ضخ المياه و دراسة سلوك المستهلكين لتقييم أداء الموارد وتوجيه استخدامها بشكل أمثل. يساعد هذا النهج في تخصيص المياه بشكل عادل وأكثر كفاءة بين القطاعات المختلفة.
  4. الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI): وهو مفهوم حديث نسبيًا يمكن أن يلعب دورًا هامًا في تحليل البيانات غير المنظمة والمتعلقة بإدارة المياه. فمن خلال تحليل كميات هائلة من البيانات، يمكن له ابتكار حلول جديدة لمشاكل توزيع المياه وتقليل الفاقد. فمثلاٌ يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي قياس معدل الضخ وفحص سلوك المستهلك، وإنشاء نماذج لتقليل المياه بناء على ذلك .

إيجابيات استخدام الذكاء الصناعي في إدارة المياه

  1. زيادة كفاءة إدارة شبكات المياه وتقليل الفاقد: وذلك من خلال الكشف المبكر عن الفاقد وتحسين تقنيات الري حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في تصميم أنظمة ري ذكية تقوم بتحليل احتياجات المحاصيل من المياه وتوزيعها بشكل يتناسب مع ظروف التربة والطقس، مما يساهم في تقليل الهدر.
  2. التنبؤ المستقبلي وإدارة الأزمات: تطوير النماذج التنبؤية للاستعداد المستقبلي لتوقع الطلب على المياه في مختلف القطاعات (الزراعة، الصناعة، الاستخدام المنزلي), وبالتالي مساعدة صانعي القرار في التخطيط الاستباقي ووضع استراتيجيات للتعامل مع ندرة المياه وتقييم المخاطر وتوقع الأزمات المتعلقة بالمياه، مثل نقص المياه بسبب الجفاف.
  3. تسهيل التشاركية بين القطاعات المختلفة عبر إنشاء منصات رقمية ومنصات تحليل بيانات مشتركة بين القطاعات، مما يتيح الوصول إلى المعلومات الحيوية حول استخدام الموارد المائية وتقليل الهدر.
  4. الاستخدام الأمثل للموارد وذلك بفضل تحليل البيانات بشكل معمق،كما يمكن تحقيق تخصيص أكثر دقة للموارد المائية وتوجيهها نحو المناطق والقطاعات الأكثر احتياجًا.
  5. تحليل البيانات البيئية:استخدام تقنيات التعلم الآلي لتحليل البيانات البيئية، مثل جودة المياه ومؤشرات الصحة البيئية، مما يساعد في اتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات دقيقة.

سلبيات استخدام الذكاء الصناعي في إدارة المياه

  1. التكاليف العالية: لا سيما فيما يتعلق بالبنية التحتية التي تحتاج إلى تحديثات لتتماشى مع التكنولوجيا الحديثة.
  2. الاعتماد على البيانات: يعتمد الذكاء الصناعي على كميات هائلة من البيانات الدقيقة والصحيحة ليحقق أهدافه بكفاءة. إذا كانت البيانات المجمعة غير دقيقة أو محدودة، فإن النتائج والنماذج التنبؤية قد تكون مضللة، وستؤدي إلى استنتاجات خاطئة تتسبب في سوء توزيع الموارد أو اتخاذ قرارات غير صائبة.
  3. قضايا الخصوصية والمخاوف أخلاقية: قد تثير مسألة جمع البيانات المتعلقة باستخدام الموارد المائية تساؤلات حول كيفية استخدامها وتخزينها، لا سيما إذا كان يتم مراقبة استهلاك المياه على مستوى الأفراد.
  4. الحاجة إلى موارد بشرية ماهرة: يتطلب تطبيق حلول الذكاء الصناعي وجود كوادر متخصصة ومؤهلة للتعامل مع هذه التقنيات.
artificial-intelligence-environment-protection

Artificial Intelligence can provide invaluable assistance in environment protection and resource conservation

التوصيات

يمثل استخدام الذكاء الصناعي في إدارة المياه في الأردن خطوة هامة نحو تحسين كفاءة استخدام الموارد المائية المحدودة وتقليل الفاقد,وتعزيز القدرات في مواجهة تحديات المياه المستقبلية، وعليه فيمكن الخروج بالتوصيات التالية:

  1. تعزيز التعاون بين القطاعات وتبادل المعرفة والخبرات: وذلك بتعزيز التشاركية بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، مما يسهم في تحقيق مشاريع مستدامة تعود بالنفع على المجتمعات وتعزيز قدرتها على مواجهة الأزمات المناخية وتحقيق الأمن المائي والغذائي.
  2. الاهتمام بدور الإنسان كعنصر أساسي في تحقيق التنمية المستدامة, حيث أنه لا يمكن معالجة التحديات المائية بفعالية دون التركيز على مركزية دور الإنسان, وعليه فإنه يتوجب تمكين واشراك المجتمع ليكون جزءًا من عملية صنع القرار المتعلقة بإدارة الموارد، مع التركيز على الحقوق والواجبات مما يسهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية ويزيد من فعالية الحلول المقترحة. مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الانتقال يتطلب نشر الوعي اللازم لفهم القضايا البيئية والموارد الطبيعية, وخلق فرص العمل وتطوير المهارات الفنية والإدارية للمجتمعات مما يتيح لها الاستخدام الفعال للموارد واستقلالية إدارة المشاريع.كل ما ذكر يسهم في بناء مجتمع مستدام يتسم بالعدالة والتمكين. وهذا ما أكده سمو الأمير حسن بن طلال خلال توجيهاته في  مؤتمر “الذكاء الصناعي: حلقة الوصل في منظومة المياه والطاقة والغذاء والبيئة” الذي عقد في تشرين الأول من عام 2024  في العاصمة الأردنية عمّان.
  3. التوعية والتدريب: تنظيم ورش عمل وبرامج تدريبية بلغة مبسطة ومفهومة لكوادر قطاع المياه الفنية والإدارية حول كيفية استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بفعالية .
  4. تطبيق نماذج عملية مصغرة ليتسنى للمجتمع مراقبة جدوى وفوائد الذكاء الاصطناعي كخطوة لاقناعهم للانتقال لتبني استخدام الذكاء الاصطناعي.
  5. تطوير الأطر القانونية والتنظيمية: وضع أطر قانونية تدعم استخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المياه، مع التركيز على حماية البيانات والخصوصية, كما يجب وضع سياسات وتشريعات واضحة تحدد كيفية جمع البيانات وتخزينها ومشاركتها بين الجهات المختلفة، مع الحرص على حماية حقوق الأفراد والمجتمعات ولضمان استخدام هذه البيانات بصورة أخلاقية.
  6. تقييم الأثر والمراجعة المستمرة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إدارة المياه، وتحديث الاستراتيجيات بناءً على النتائج والبيانات الجديدة, والتعامل مع الذكاء الاصطناعي بحذر لضمان دقة البيانات المستخدمة في التحليلات والنماذج التنبؤية.
  7. إنشاء مركز بيانات مركزي لاستخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين إدارة الموارد وكفاءة الري والحوكمة.
  8. تحديث البنية التحتية لمختلف القطاعات لتسهيل الانتقال الى تطبيق استخدام الذكاء الصناعي في ادارة المياه.
Tagged , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Nura A. Abboud

Nura A. Abboud is an environmental activist and Founder of the Jordanian Society for Microbial Biodiversity (JMB), the only NGO in the Middle East concerning the microbial biodiversity. Nura specializes in molecular biology, biological sciences, microbial biodiversity, genetic fingerprinting and medical technologies. Her vision is to establish an eco-research center in the astonishing desert south of Jordan. She has received several scholarships and awards including honorary doctorate in Environmental leadership.

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.