يعد تلوث الهواء مصدر قلق كبير للسكان في كل أنحاء العالم، لما له من تأثير سلبي مباشر وغير مباشر على صحة الإنسان والحيوان وباقي مكونات البيئة المحيطة، ويزداد القلق من تلوث الهواء مع تعدد المصادر المساهمة بهذا التلوث وتنوعها وانتشارها الواسع. حيث بدأت مشاكل تلوث الهواء في المدن الصناعية ولم يقتصر على المدن الصناعية فحسب ولكنه انتشر ليشمل المدن ذات الكثافة السكانية العالية نظرًا لتعدد وتنوع وشدة الأنشطة البشرية فيها.
وقد أظهرت دراسات قامت بها منظمة ال WHO أن ملوثات الهواء تسبب أمراض القلب والرئتين والأوعية الدموية وبعض الأمراض الجلدية مثل سرطانات الجلد وذلك بسبب التعرض للأشعة فوق البنفسجية الناتج عن تآكل طبقة الأوزون، ولا يقتصر الأثر السلبي للهواء الملوث على صحة الإنسان فحسب ولكن يتعدى خطره على المناخ ويعد السبب الرئيسي لتغير المناخ عالميًا، كما يؤثر على المحاصيل الزراعية والغابات والتنوع الحيوي سواء للنبات أو للحيوان، وهو السبب وراء هطول المطر الحمضي الذي يسبب تلف في الأنسجة النباتية إذا ما تعرضت له وتلف في الأبنية ويسبب ضرر لكل ما قد يتعرض له، ويسبب أيضًا تلوث للمسطحات المائية المفتوحة إضافة إلى قلة وضوح الرؤية في الأفق.
أما في الأردن فإن الموقف مختلف قليلًا عما يبدو عليه في البلدان المكتظة صناعيًا وسكانيًا؛ نظرًا لكونها بلد غير صناعية، ولكن هذا لا ينفي وجود وتنامي مشكلة تلوث الهواء بسبب وجود مصادر أخرى لهذا التلوث، مثل: الانتشار الكبير والواسع للمركبات والمحركات بأنواعها، كما أن الانتشار الواسع لمكيفات الهواء أثر بشكل كبير على جودة الهواء سلبًا؛ وذلك لأنها ترفع من الرطوبة النسبية ونسبة الغازات الدفيئة بشكل مباشر، حيث أشارت التقارير الصادرة عن وزارة البيئة أن الرطوبة النسبية تزداد بزيادة درجات الحرارة ويعزى ذلك الارتفاع إلى الاستخدام المفرط لمكيفات الهواء نظرًا إلى أن المدن الثلاث (اربد،عمان والزرقاء) التي تتم مراقبة ورصد الهواء فيها خالية من المسطحات المائية لذا فإن فكرة التبخر من أي مصدر مائي مستبعدة.
وبالعودة إلى التقارير اليومية الصادرة من مديرية الرصد والتقييم البيئي في وزارة البيئة الأردنية، نجد أن جميع التقارير تشير إلى ارتفاع نسب ملوثات الهواء في الأماكن التي تشهد نشاط بشري مكثف بالإضافة إلى أن هذه الملوثات تتركز في الأماكن الأكثر انخفاضًا من حولها، مثل: (حديقة اليرموك-العاصمة وأمانة عمان الكبرى) مما يجعلها محصورة بين مرتفعات تحول دون تبدل الهواء فيها مما يسبب تراكم لهذه الملوثات.
كما سُجلت أيضًا قيم مرتفعة في المدن الصناعية، مثل: (المدينة الصناعية في الزرقاء ومدينة الملك عبالله الثاني الصناعية في سحاب)؛ بسبب تركز النشاط الصناعي في تلك الأماكن وزيادة الانبعاثات فيها، كما أظهرت التقارير أن الضواحي ذات الكثافة السكانية العالية، مثل (طبربور) تشهد ملوثات هوائية أكثر من غيرها بالرغم من كونها منطقة مرتفعة وخالية من الأنشطة الصناعية.
وبالرغم من أن نتائج رصد الغبار الدقيق العالق PM10 وغازاتH2S, NO2, O3, CO, SO2 أقل بكثير من المواصفات الأردنية والتي تطابق المواصفات العالمية لجودة الهواء، إلا أنه لا يمكن لنا إنكار خطرها وذلك بتراكم هذه الملوثات مع مرور الوقت بجسم الانسان كما أن هذه المؤشرات سترتفع إذا ما بقي الحال على ما هو عليه دون اتخاذ إجراءات تحد من مشاكل تلوث الهواء.
وبعد الإطلاع على كل ما سبق وكمية المخاطر التي تهدد صحة الإنسان والبيئة من حوله، والتي تساهم في التغير المناخي والعديد من الكوارث والمشكلات التي تنتظر الكوكب الوحيد الذي نستطيع العيش عليه، لا بد لنا من اتخاذ إجراءات تحد من هذه الانبعاثات من خلال بعض التوصيات، مثل: الحد من استخدام المصادر المستهلكة للطاقة أو التقليل منها، ونظرا لصعوبة التخلي عن الكثير من الأجهزة والاختراعات لأهميتها في حياة الانسان اليومية فيجب على الشركات المصنعة للأجهزة الالكترونية والمحركات أن تعمل جاهدة لتحسين منتجاتها حتى تكون صديقة للبيئة، ويجب على الحكومات العمل على تحسين خدمات النقل العام حتى يتسنى للشعب أن يستقلها دون أن يضيع وقته وجهده وبذلك يمكنهم الاستغناء عن سياراتهم الخاصة مما يساهم بشكل كبير في التخفيض من هذه الانبعاثات،
والعمل على الحد من استخدام المواد الضارة بالبيئة واستبدالها بأخرى صديقة للبيئة والتشجيع على استهلاك هذه المنتجات من قبل الأفراد والعاملين في القطاعين العام والخاص، كما أنه يجب التنويه على أن قيادة المركبات بتباطؤ مفرط يساهم بزيادة الانبعاثات لذل يجب على السائقين تجنب القيادة بهذا الشكل ويجب التقليل من استخدام مواقد التدفئة الحطبية لأنها تساهم بزيادة المشكلة أولًا عند قطع الأشجار وثانيًا عند حرقها، وأخيرًا يجب على العاملين على إدارة مكبات النفايات إيجاد طرق بديلة لتقليص حجم النفايات غير الحرق وذلك لأن الأبخرة المتصاعدة من حرق المكبات تحمل في جعبتها أكثر الغازات سمية وضرر.