قصاصة ورقية عبارة عن مسودة معلومات تُوجز جوانب حدث بيئي مهم وتُبرز في مفاصل أحداثه جهود نشطاء البيئة في أحد بلداننا العربية يعود تاريخها إلى بداية عام 2001 وجدناها بين صفحات كتاب «الثروة الطبيعية للأمم» أثارت اهتمامنا إذ تضم بين سطورها معلومات قيّمة للنشاط الاجتماعي البيئي وتحدد محاور مهمة للبحث في قضية «الفساد البيئي» التي تعد من أكثر القضايا المهمة في علم البيئة الحديث لارتباطها بمشكلات استنزاف الثروات الطبيعية وتدهور المعالم الرئيسية للنظم البيئية.
معلومات القصاصة الورقية تولي أهمية بالخبر الذي تداولته في ذلك التاريخ وكالات الأنباء العالمية بشأن إطلاق سراح مجموعة من المدافعين عن البيئة، حكم عليهم بالسجن لرفعهم شعار «الفساد البيئي» والدعوة إلى وقف عمليات تدمير البيئات الطبيعية، ومحاسبة العناصر التي تدعم عملية الفساد البيئي، وإحداث إصلاحات بيئية واجتماعية واقتصادية في بلادهم، وجاءت دعوتهم هذه بعد ما شاهدوه من مظاهر التدمير الواسع لأكثر المناطق البيئية والاجتماعية قيمة وجمالاً وثراء في تنوعها الإحيائي، والتي تشكل إرثاً وطنياً وحضارياً لارتباطها بمرحلة تاريخ مهمة للحراك الاجتماعي والوطني في بلادهم.
الفساد كظاهرة يمثل سلوكاً غير أخلاقي وغير مرغوب في وجوده، ويحظى بمعارضة شديدة على مختلف الأصعدة الوطنية والدولية لما يتسببه فيه من آثار سلبية، اجتماعية واقتصادية وبيئية، وأضرار فعلية على الخطط التنموية وعلى واقع حياة المجتمع البشري، وذلك ما يؤكد عليه المجتمع الدولي في المبدأ (266) في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة – ريو + 20 إذ يشير المبدأ إلى أن «الفساد يمثِّل عائقاً خطيراً أمام تعبئة الموارد وتخصيصها بصورة فعالة ويحوِّل الموارد عن الأنشطة التي تعتبر حيوية في القضاء على الفقر ومكافحة الجوع وتحقيق التنمية المستدامة».
والفساد بمختلف اتجاهاته وصوره السبب المباشر فيما تشهده البشرية من أزمات اقتصادية واجتماعية وبيئية ويجري معالجة المشكلة في الكثير من البحوث العلمية المختصة في القضايا الإنسانية، ويورد كتاب «الثروة الطبيعية للأمم – تطويع السوق لاحتياجات البيئة» حقائق لحالات مختلفة لأنشطة الفساد يوجزها في جوانب نهب ومصادرة المناطق ذات الأهمية البيئية والغنية بثرواتها الطبيعية والتنوع الإحيائي، وينفرد كتاب «من يدفع الثمن؟ – الإطار الثقافي والاجتماعي للأزمة البيئية» بمعالجة ثوابت مهمة في شأن الآثار السلبية لظاهرة الفساد في انتهاكات حقوق الإنسان البيئية ومصادرة حقوق المجتمعات في استثمار الموارد الطبيعية وحرمان الأجيال القادمة الاستفادة من تلك الثروات.
كتاب «الموارد الطبيعية والنزاعات المسلحة – خيارات وتحركات – تحرير أين بانون وبول كوليبر – إصدار البنك الدولي – منشورات الأهلية للنشر والتوزيع في الأردن» من البحوث المرجعية المهمة في تشخيص مشكلة الفساد وأبعاده الكارثية على البيئة والإنسان، ويبين في سياق معالجاته الضمانات الشرعية لمكافحة الفساد كجزء من العمل القانوني للحكومة نذكر منها المبادئ المتمثلة في:
توخي العدالة والإنصاف في عطاءات البيع وعقود الإيجارات.
شفافية في التسعير وفي الكميات المباعة من السلع.
إعادة ترميم وإحياء البيئة التي تم استخراج السلع منها.
إيداع الأموال التي تأتي من الموارد المستخرجة في خزانة الدولة لاستخدامها في تمويل العمليات الحكومية.
وفي السياق ذاته، يشخص الكتاب الجوانب غير الشرعية للعمل الإداري التي تعزز ظاهرة الفساد نشير إلى البعض منها وتتمثل في:
عقود سياسية أو قائمة على المحسوبية في بيع السلع.
معلومات محدودة أو مغلوطة عن التسعير والكميات.
انتزاع الموجودات دون أخذ المستقبل في الاعتبار.
فشل في إعادة وترميم وإحياء المناطق التي تم تجريدها.
اختفاء عائدات مبيعات الموارد بحيث لا يمكن تتبعها، مع إبقاء منفعة شحيحة أو لا شيء منها لخزينة الدولة.
الفساد البيئي النهج والسلوك الأكثر خطراً على الإنسان والبيئة، ويمثل نتيجة فعلية للفساد الإداري، وتعزز واقع المحسوبية، وترسخ جذورها في السياسات والممارسات الإدارية، ويحدث ذلك المنعطف السلبي في ممارسات وسلوك الأفراد والجماعة بفعل الخلل في النظام الإداري، ونتيجة جملة من العوامل الضاغطة والميسرة لنشاط هذه الظاهرة والتي منها تعمق جذور النهج الشمولي في القرار البيئي ومصادرة حق المجتمعات المحلية في صناعة القرار البيئي.
وظاهرة الفساد البيئي كأكثر العوامل خطراً وإجحافاً بالمصالح الأساسية للمجتمعات المحلية، البيئية والصحية والمعيشية، وانتهاكاً لحقوق الأجيال القادمة العيش في بيئة آمنة وسليمة، أخذ يتعزز وجوده وبشكل أكثر وحشية في العلاقة مع البيئات الطبيعية في الربع الأخير من القرن الماضي، وتصاعدت وتائره التدميرية في المرحلة الحديثة.
ويتجلى ذلك النهج في السيطرة على الموارد والمواقع البيئية الأساسية، وإحداث تغييرات مباشرة في طابعها البيئي، واستغلالها في إقامة المشاريع التنموية غير المتوافقة مع نظامها البيئي، إلى جانب تزايد ظاهرة الفساد في تيسير نشاطات المافيا الدولية في نقل النفايات الخطيرة عبر الحدود، وطمرها في أراضي الدول الأخرى، وتلك ظاهرة عامة شمل وباؤها مختلف البلدان في العالم.
الجميع يدرك الفعل غير الأخلاقي للفساد، والكل يتفق على ضرورة أن تكون هناك إجراءات فعلية متنوعة الوظائف، والمناهج لتقليم مخالب هذه الظاهرة واجتثاث جذورها كضمانة أكيدة لحماية الأمن الوطني للدول أولاً، واستبعاد المخاطر التي تسببها، الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والإنسانية، وتأكيد السلطة القانونية وإرادة القرار السياسي للدولة كعنصر رئيسي في الجماعة الدولية، وتلك مؤشرات لا غنى عن تأكيد وجودها في خريطة عمل الدول، والعمل الدولي للتمكن من إنجاز أهداف التنمية المستدامة.