لئن تتحمل الدول النامية، ومن بينها تونس، المسؤولية الأقل في انبعاثات غازات الدفيئة المسببة للاحتباس الحراري والتغير المناخي، فهي تتحمل الآثار السلبية الأكبر لهذه الظاهرة العالمية، خاصة مع الصعوبات الكثيرة التي تواجهها في التخفيف منها والتكيف معها. فتطوير المشاريع التي يمكن أن تحد من آثار تغير المناخ، وإيصالها إلى وجهتها المنشودة يتطلب الكثير من المال والقدرات، وهو أبرز تحدي يواجه تونس في هذا المجال.
البحث عن التمويل لمجابهة خطر التغيرات المناخية
شرعت البلاد التونسية، في هذا الإطار، في إحداث هيئة وطنية معتمدة لدى الصندوق الأخضر تعمل على الإحاطة بحاملي المشاريع المتعلقة بمجال التأقلم مع التغير المناخي والحد من آثاره السلبية ومرافقتهم على مستوى بلورة ملفاتهم وتقديمها لصندوق المناخ الأخضر قصد استقطاب التمويلات.
إذ يمكن للهياكل والمؤسسات العمومية أو الخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والبلديات تقديم مقترحات مشاريعهم إلى هذه الهيئة، التي توجد نواتها صلب وزارة البيئة والتنمية المحلية، والتي ستلعب دور الرابط بينهم وبين الصندوق الأخضر، حيث ستقوم بتأهيل المشاريع المقدمة وستكون مستقلة عن الإدارة التونسية بما يوفر ضمانة لشروط الشفافية والنجاعة التي يفرضها الصندوق.
وقد قامت الهيئة فعلا خلال الفترة المنقضية بعقد استشارات بشأن تمويل هذه المشاريع في عدة جهات على غرار صفاقس وجربة وجندوبة وبنزرت، حسب ما أكد الخبير التونسي في البيئة عادل بن يوسف.
ويذكر أن الصندوق الأخضر يعد واحدا من أهم الآليات التمويلية في مجال التغيرات المناخية، أنشئ لمساعدة الدول النامية على تقليص آثارتغير المناخ والتكيف معه، وذلك على إثرالمؤتمر الـسادس عشر للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ سنة 2010.
إلا أنه ومع تعليق تونس آمالا كثيرة على تمويلات هذا الصندوق فهو لا يزال مشروعا غير مكتمل، حيث لم يتجاوز إلى حد الآن مجموع التبرعات 18 مليون دولار في حين كانت الوعود بتوفير 100 مليون دولار سنويا لفائدة الدول النامية لإنجاز مشاريع للتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية.
التأثيرات السلبية للتغير المناخي
تبقى مسألة التمويل أبرز تحدي يواجه تونس في هذا المجال باعتبار التكلفة العالية لمشاريع التأقلم والتي تتطلب، بالضرورة، دعما خارجيا، خاصة مع هشاشة وضع الاقتصاد الوطني وافتقار البلاد للموارد المالية اللازمة مقابل تزايد تهديدات الآثار السلبية للتغير المناخي، والتي تفاقمت وباتت أكثر وضوحا وأشد وطأة من أي وقت مضى. فارتفاع معدلات الحرارة، وتقلص مدخرات المياه العذبة بسبب التملح والجفاف، واضطراب موسم الأمطار، وارتفاع مستوى البحر هي إرهاصات جدية تهدد القطاعات الحيوية في البلاد على غرار الفلاحة والسياحة إضافة إلى صحة الإنسان وجودة الحياة.
فالآثار الناجمة عن التغير المناخي تؤثر تقريبا على كل جانب من جوانب الحياة اليومية وهذا ما يضع مسألة التأقلم مع التغيرات المناخية والحد من انعكاساتها السلبية في مقدمة الأولويات، التي لا تحتمل الانتظار، مما يجعل تعبئة الجهود جماعية كانت أو فردية أمرا ضروريا وحاسما.
أهمية الوعي الفردي
إلى جانب الحاجة إلى التمويل الخارجي والجهود التي تقوم بها الدولة في حدود إمكانياتها، لا يمكن تجاهل أهمية المسؤولية التي يمكن أن يتعهد بها الفرد والمجتمع تجاه هذا التحدي المناخي.وهذا ما حاول أن يبينه كتاب “تحدي التكيف معظاهرة التغير المناخي”،من تحرير خبراء من جامعة أوسلو بالنرويج والصادر عن مطبعة جامعة كامبريدج البريطانية. حيث يخلص الكتاب إلى أن “تحدي التكيف مع تغير المناخ ينطوي على العمل الجماعي والفردي على حد سواء، وما ينبغي على الحكومات القيام به لفرض النظام والاستدامة على السلوك المتهور والمدمر من قبل الأفراد”.
لا يمكن التقليل من دور نمط الاستهلاك لدى المجتمع والسلوكيات الفردية في إحداث الفرق في هذا المجال، فالاستهلاك غير الرشيد للموارد من المياه والطاقة يتسبب في الضغط عليها وإرهاقها. وتعتبر معدلات استهلاك المواطن التونسي للمياه، مثلا،عالية مقارنة مع محدودية الموارد المائية في تونس وتضررها من التغيرات المناخية.وقد أكد مؤخرا الرئيس المدير العام للشركة التونسية لاستغلال وتوزيع المياه أن “التونسي يستهلك يوميا 140 لترا من الماء، لا يشرب منها سوى لتر ونصف أو لترين”، في وقت يبلغ فيه نصيب الفرد من الماء في تونس 380 متر مكعب سنويا، وهو ما يعني أن البلاد تعيش تحت خط الفقر المائي الذي يقدر 1000 متر مكعب سنويا، وفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة. الأمر الذي يجعل الترشيد في الاستهلاك ضرورة لا خيارا.
ويمكن الإشادة في هذا الإطار بالحلول التقليدية التي يلتجئ إليها المواطن التونسي لإدارة أزمة الماء على الصعيد الفردي والعائلي من خلال الاعتماد على “الماجل” و”الفسقية” كوسائل لتخزين مياه الأمطار، قصد استغلالها المنزلي أو لري النباتات وسقي الدواجن والمواشي خاصة عند انقطاع مياه الشرب المتكررة خلال الصيف. وقد دأب التونسيون منذ القدم على حفر “المواجل أو “الفسقيات” كجزء أساسي من المنزل. كما أن هذه العادة في طريقها إلى إعادة الإحياء وذلك بتشجيع من الدولة، حيث بدأت مؤخرا وزارة التجهيز والإسكان والتهيئة الترابية في تمكين مالكي المساكن الراغبين في بناء “ماجل” لتجميع مياه الأمطار التمتع بمنحة أو قرض وذلك من الصندوق الوطني لتحسين السكن طبقا للشروط المضمنة بالأمر الحكومي عدد 1125 لسنة 2016.
في سياق متصل وفيما يتعلق بمجال الطاقة، أصبحت اللاقطات الفولطوضوئية، التي بدأت تنتشر على أسطح المباني، مكونا جديدا للمشهد العمراني التونسي. إذ يسهل القانون التونسي للأفراد والمؤسسات العمومية والخاصة إنتاج حاجياتهم من الكهرباء بالاعتماد على الطاقات المتجددة وخاصة منها الشمسية. وهو ما يفسر إقبال المواطنين والمستثمرين على استغلال هذا الحق في توليد الطاقة.
ولئن يهدف المواطنون إلى تركيز لوحات الطاقات الشمسية هذه لتوفير مصاريف الكهرباء والفواتير الباهظة، والتخلص من الانقطاع المتكرر للكهرباء، الذي توفره الشركة العمومية للكهرباء والغاز، وخاصة خلال فترة الذروة الصيفية، فإن هذا يندرج في إطار الجهود التي تبذلها تونس في المساهمة في تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة، حيث يمثل ترشيد استهلاك الطاقة وتوجهها نحو الاعتماد على المصادر المتجددة كالشمس والرياح هدفا هاما بالنسبة للبلاد، تحققه في محاولتها للتكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثارها السلبية.
فمع تزايد مخاطر التغير المناخي على البلاد التونسية، التي أكدت الدراسات الدولية على أنها تنتمي إلى أكثر المناطق في العالم تضررا من هذه الظاهرة وأشدها هشاشة تجاهها، تتزايد الحاجة إلى إيجاد الحلول اللازمة لمعالجة هذا التحدي الخطير. وفي ظل صعوبة تطوير المشاريع الكبرى المتعلقة بالتكيف مع التغير المناخي وتبعيتها للتمويل الخارجي، تبرز أهمية تعبئة الجهود وإن كانت فردية في مواجهة تحديات هذه الظاهرة. وهنا يأتي دور الإعلام والمجتمع المدني في رفع مستوى الوعي لدى الأفراد والمجتمع بفاعلية دورهم في هذا المجال.
Pingback: هل ستستطيع تونس الإيفاء بمساهماتها لخفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة | EcoMENA
Pingback: معلومات مضللة عن تغير المناخ