ألقت التغيرات المناخية بظلالها على تونس التي تعرف منذ منتصف شهر يونيو موجة حر غير مسبوقة وصلت خلالها درجات الحرارة إلى مستويات قياسية. تبدو ولاية تطاوين في أقصى الجنوب إحدى أكثر المناطق تضررا من ارتفاع معدلات الحرارة، إذ تصل نسبة الصحراء فيها إلى أكثر من تسعين بالمائة وتتميز بمناخ قاحل يكاد أن يكون الغطاء النباتي فيها معدوماً، باستثناء بعض النباتات الصحراوية القليلة مثل النباتات التي تنتمي لعائلة الصباريات، والشيح، والقيصوم، وبعض النباتات الحوليّة الصحراوية وهو ما يجعل تأثير الحرارة في هذه المنطقة الجافة أشد وطأة .
في هذا الإطار، نشرت جمعية حماية البيئة بذهيبة صورا مفزعة لنفوق عدد من الغزلان بمنطقة الظاهر وهو ما أثار الكثير من الجدل حول قدرة الجهة على الحفاظ على ثروتها الحيوانية التي يتهددها كذلك الصيد العشوائي ومحدودية التساقطات. وأكد لنا رئيس الجمعية سامي عون أنهم بصدد دراسة مشروع مظلات صحراوية لحماية مختلف الحيوانات البرية بالشراكة مع ادارة الغابات بوزارة الفلاحة.
لا تبدو هذه الحادثة بمعزل من التحديات الكبرى التي تواجهها تونس للتكيف مع آثار التغيرات المناخية .
إذ تفيد توقعات وزارة البيئة والتنمية المستديمة أن معدلات الأمطار السنوية ستنخفض بنسبة تتراوح بين 10% بالشمال الغربي و30% بأقصى جنوب البلاد مع حلول سنة 2050 . إضافة إلى ذلك، أضحى تأثير تغير المناخ على الموارد المائية والنظم البيئية والفلاحية (انتاج زيت الزيتون، الأشجار المثمرة، تربية الماشية، الزراعات البعلية) أمرا واقعا وهو ما سيرفع من حجم الضغوطات على الفلاحين خصوصا أنّ بعض الأنشطة الفلاحية قد لا يمكن لها في المستقبل ان تتأقلم مع الظواهر القصوى للتغيرات المناخية.
لا تقف تهديدات التغيرات المناخية عند هذا الحد ، إذ في صورة تواصل ارتفاع معدلات درجات الحرارة بالمستوى الحالي، وحسب السيناريو الأقصى المحتمل بينت دراسة أعدتها الهيئة الدولية لخبراء المناخ ان مساحات تناهز 2600 هكتار يمكن ان تتعرض الى انجراف بحري ونقص في الخصوبة بدلتا وادي مجردة ، علاوة على إمكانية تعرض منطقة خليج الحمامات الى انجراف بحري على مساحة جملية تناهز 1900 هكتار وخاصة على مستوى سبخة سيدي خليفة
كما بينت الدراسة حسب السيناريو الاقصى المحتمل انه يتوقع ان تتحول اكثر من 10 سباخ الى بحيرات تمسح 730 هكتارا محاطة بمناطق رطبة تناهز مساحتها 730 هكتارا بمجموعة من السباخ الساحلية للوطن القبلي وتحول ارخبيل قرقنة الى مجموعة اكبر من الجزر الصغيرة (قرابة 30% من المساحة الاجمالية للارخبيل معرضة للانجراف البحري).
في المقابل ، لا تعكس الإجراءات على الواقع وعيا بخطورة التهديدات التي تعرض مستقبل الأجيال القادمة ، حيث ساهمت معدلات الحرارة المرتفعة في تسليط الضوء على هشاشة المنظومة المائية. فقد تعرضت معظم المدن التونسية خلال هذا الصيف إلى آنقطاعات متكررة في تدفق المياه . في هذا الصدد، أكد السيد علاء المرزوقي رئيس المرصد التونسي للمياه، وهي منظمة غير حكومية، أن تونس قد سجلت خلال شهر يونيو الماضي أكثر من 270 حالة انقطاع للمياه الصالحة للشرب في مدن قفصة و القيروان وتطاوين .
ولمواجهة هذه الأزمة الحادة، أعلنت تونس لأول مرة اللجوء إلى المخزون الاستراتيجي للمياه من أجل تغطية النقص الحاصل في التزويد رغم أن معدل الموارد المائية للفرد الواحد لا يتجاوز 385 متر مكعب في السنة أي بفارق يتجاوز600 متر مكعب عن حاجياته التي أقرها برنامج الأمم المتحدة.
و بحسب أرقام وزارة الفلاحة، تسجل تونس عجزا سنويا يقدر ب 275 مليون متر مكعب، بينما تبلغ مواردها المائية نحو 4503 مليون متر مكعب وذلك نتيجة ارتفاع نسق الاستهلاك وتراجع منسوب المياه المخزنة.
رغم دسترة الحق في بيئة سليمة ، لا يزل نسق مواجهة التحديات البيئية بتونس بطيئا ، والتحرك الآن لتنفيذ مخطط عمل متكامل أضحى أولوية قصوى بهدف وضع منوال تنموي أكثر تكيّفا مع التغيرات المناخية.
Pingback: للتأقلم مع موجات الجفاف مزارعون تونسيون يلجؤون إلى زراعة نباتات جديدة | EcoMENA
Pingback: هل ستستطيع تونس الإيفاء بمساهماتها لخفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة | EcoMENA
Pingback: نظرة على مشاكل تونس البيئية | EcoMENA