أصبح التغير المناخي حقيقة واقعة في تونس التي تعاني الأمرين لمجابهة مشاكل التصحر وندرة المياه وتدهور الموارد الطبيعية. وبالرغم من إسهامها المحدود في انبعاثات غازات الدفيئة على مستوى العالم، إلا أن أخطار التغير المناخي الواقعة عليها قد تكون عالية التأثير و هو ما يسيل الكثير من الحبر حول مدى نجاعة السياسات المناخية بتونس.
وضعت تونس، وهي رابع دولة عربية قدّمت مساهماتها المعتزمة المحددة وطنيا في مجال خفض الإنبعاثات من الغازات الدفيئة ، تغيّر المناخ في مرتبة متقدّمة على جدول أعمالها السياسي والاقتصادي باعتبارها البلد الأول في المنطقة الذي ضمّن دستوره الوطني الجديد إقرارا بتغيّر المناخ تفرض من خلاله الدولة الحق في “بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ بكافة السبل المتاحة”. كما كانت تونس من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (UNFCCC) في سنة 1993 وبروتوكول كيوتو في سنة 2002. من ناحية أخرى ، إستفادت وزارة البيئة التونسيّة من تواجد فروع لمنظمات تعنى بالجانب البيئي على أراضيها على غرار المنظمة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) و منظمة فريدريش إيبرت (Friedrich-Ebert-Stiftung) لإنشاء استراتيجية وطنية بشأن تغير المناخ (SNCC)، تأخذ في الاعتبار التحديات والاتجاهات الجديدة لتونس ما بعد الثورة.
كما تبدي تونس نيّتها العمل بجد لخفض كثافة انبعاثاتها الكربونية بنسبة 13 في المئة بحلول سنة 2030. هذا ومن المنتظر أن تزداد حصّة الطاقة المتجدّدة في إنتاج الكهرباء لديها إلى 14 في المئة بحلول سنة 2020، و30 في المئة بحلول سنة 2030. هذه المؤشرات الطموحة عزّزها تأكيد رئيس الحكومة يوسف الشاهد خلال افتتاحه لندوة “تسريع تنفيذ برامج النجاعة الطاقية” يوم الخامس من أبريل نيسان الجاري بأن تونس مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتنفيذ إستراتيجيات ناجعة للإنتقال الطاقي قائم على الطاقات المتجددة لبلوغ الأهداف الطاقية والمناخية المرسومة .
في سياق متصل، شرعت تونس منذ عدة سنوات في عملية حقيقية تقليص الاقتصاد القائم على الكربون في خطوة التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة . هذا الأمر تطلب حزمة من الإجراءات الاستباقية طويلة المدى في مجال التحكم في استخدام الطاقة ومع ذلك، هذه العملية تحتاج لمزيد التوطيد و التعزيز.
إلا أن عديد الإشكاليات تطفو على السطح قد تهدد استدامة هذا التوجه، إذ تفتقر تونس للتمويل اللازم لتغيير نظم إنتاج الطاقة علاوة على غياب واضح للتوعية والإعلام والترشيد سواء لدى العامة أو لدى اصحاب القرار.
هذا الأمر، يجب أن يقابل بتطوير الخطاب الإتصالي للمنظمات البيئية المحلية والعالمية لاتخاذ إجراءات أكثر جرأة على هذا الصعيد. إن نشر المعلومة بشكل مبسط و سلس وتكوين الأطراف ذات الصلة بالشأن البيئي تعتبر من الثوابت الرئيسية لتنفيذ استراتيجية طويلة المدى. لهذا الغرض، يجب أن تستهدف هذه الإجراءات أساسا الجهات الفاعلة في الدولة ناهيك عن عامة الناس، أعضاء المجتمع المدني، وسائل الإعلام، الأكاديميين والباحثين وغيرهم وإنشاء قواعد بيانات كاملة عن البحوث والدراسات التي تجرى في تونس أو عنها في الخارج حول قضية تغير المناخ يتم تحديثها باستمرار. في هذا الإطار ، يجب إيلاء عناية خاصة بتوظيف الحلول الطبيعية سهلة التطبيق على غرار القيام بحملات تشجير بالمناطق الصحراوية و حماية التربة من الانجراف و حسن ادارة النفايات. خصوصا مع عدم آمتلاك تونس للتقنية اللازمة لتطبيق الهندسة الجيولوجية ذات التكلفة العالية والنتائج غير المضمونة.
يُرتقَب أن يشكّل اتفاق باريس الأخير، مع مختلف الفرص المالية والتقنية التي يُتيحها، حافزا مهما لتونس كي تعزّز جهودها في مجابهة التغير المناخي وهو ما يتطلب آلتفاف جميع الأطراف و تقديم خارطة طريق للتقليل من الانبعاثات وتزيد من مجهودات التكيف لأن إرساء منوال تنموي مستدام ينطلق من هناك.
Pingback: وعي المواطن ومسؤوليته تجاه تحدي تغير المناخ | EcoMENA
Pingback: نظرة على مشاكل تونس البيئية | EcoMENA