فيروس كورونا: فرصة لإعادة النظر

لطالما اعتقدتُ أنّ ما من شيءٍ يحدثُ دون أن يحمل في طياته رسالة ما، إما أن تكون عامة لفئات كثيرة،  أو خاصة لأشخاصٍ معنيين بها، لعقودٍ طويلةٍ بقي الإنسانُ يؤدّي أعماله ومهامه بكفاءةٍ عالية، لكن هل فعلًا كان يبلي بلاءً حسنا في نهاية المطاف؟ بالرجوعِ للأثرِ البيئيّ لمختلفِ الممارسات التنمويّة في مختلفِ القطاعات نجدُ انتهاكًا كبيرًا للبيئة بوتيرة متسارعة، وعلى مر السنوات تكدّست كميات كبيرة من الملوّثات في بيئاتنا بكل مكوناتها، إضافة إلى استمرارنا غير المبرر في ظلّ هذا التطور الهائل الذي وصلنا إليه نكون قد وقّعنا وثيقة دمار كوكبنا بشكلٍ علنيّ وفي وقتٍ قريب جدًّا خاصة بعد التغيّر المناخيّ الحادّ الذي نشهده.

يُعزى تغير المناخ بشكلٍ مباشر أو غير مباشر للنشاط البشريّ الذي غيّر ويستمر في تغيير تركيبة الغلاف الجوي العالميّ، فحسب منظمة الصحة العالميّة؛ فإنّ المناخ أثّر على انتقال بيولوجيا الأمراض البشريّة، حيث من الممكن أن تتسبّب الحالات الشاذة المرتفعة لدرجات الحرارة، ومعدات الهطول بنقل عدد من الأوبئة التي تحتاج أوساطا حيوية أو عن طريق المياه لتنتقل

كما أن درجات الحرارة المرتفعة يمكن أن تسبّب أمراض القلب والأوعية الدموية، ناهيك عن الارتباط الوثيق بين درجة الحرارة والرطوبة النسبية وجودة الهواء الذي يعود بالضرر على مرضى الجهاز التنفسي وزيادة حساسيتهم

مثلما تبيّن لنا منذ بدء أزمة (فيروس كورونا) أنّ الفيروس يؤثر بشكل أكبر على مرضى القلب والجهاز التنفسي ويشكّل خطرًا على حياتهم يؤدّي بالغالب إلى الوفاة

لنفكّر للحظة

 كلّ فردٍ منا يجب أن يتحمّل ما سيحدث بعد انتهاء هذه الأزمة، ويكون قادرا على تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقنا جميعا، وهي مسؤولية التغيير، نحن هنا لا نتحدث عن تغيير جذريّ وكامل، فهو أشبه بالمستحيل لكن شيئا فشيئا يمكننا أن نتحوّل إلى استخدام الطاقة البديلة مثلا أكثر من قبل، بالطبع سنجد بعض الصعوبة فنحن لا نملك الإمكانات كافة التي تساعدنا على ذلك بشكل نستطيع به مجاراة استخدام البترول، الوقود الأحفوري كمصادر أساسية وقد تكون في بعض الدول الوحيدة للطاقة

علينا أن ننتبه جيّدا لنمط حياتنا، والأساليب التي نعيش بها، وأن يأخذ كل منا بعين الاعتبار أن التغيير يجب أن يتضمّن التفاصيل الحياتية جميعها من أبسطها، أدقها، إلى أهمها وأكبرها. بالطبع، لا يمكن للفرد وحده القيام بكل ذلك، والتغيير سيكون فرديّ دون إحداث التغيير في شتَى قطاعات الدولة، وعلى رأسها قطاع الصناعة؛ الذي يتحمّل المسؤولية الأكبر، كونه مساهم رئيسي في التلوث الذي بات كابوسًا يُلاحقنا حتى في يقظتنا. فبسبب صعوبة التحول في النظم الصناعية يتحتّم علينا إيجاد طرق مناسبة لتقليل التلوث إلى أدنى حدٍ يمكن الوصول إليه، مخفضين الآثار البيئية كذلك، وهذا من شأنه أن يرفع الكفاءة العامة للمنشأة حيث أن المخرجات الثانوية أي الملوثات يمكن تحويلها بطريقة أو بأخرى إلى مدخلات مثل الاستفادة من الحرارة الضائعة وتخزينها على شكل طاقة يمكن الاستفادة منها لاحقا، كما يمكن الاستفادة من المعادن الثقيلة والمياه الصناعية والأبخرة والأدخنة كل حسب طريقة الاستفادة الممكنة

كما يتحمل القطاع الزراعي مسؤولية واضحة وكبيرة في مكافحة التلوث.. قد يُهَيَّأ لنا في كثير من الأحيان أن الزراعة نشاط صديق للبيئة، لكن يمكن أن يكون أداة تدمير إذا لم يتم إدارته بالشكل الصحيح؛ من خلال ما تحدثه الخيارات الزراعية الخاطئة من آثار جانبية تدمّر التربة والمياه الجوفية والسطحية والثروة الحيوانية وبالتالي صحة الإنسان، التحول للزراعة العضوية كان في الماضي ترفًا لكنه أصبح الآن ضرورة للعيش والاستمرار بصحة جيدة.

علينا أن نعيد ترتيب أولوياتنا! … لذلك فالسؤال الآن ما الذي يمكننا فعله؟   

علينا إعادة النظر في كل شيء نفعله وتعلُّم القيام به في الوجه الصحيح هو طوق النجاة الذي سيعود بنا حيث  بر الأمان، حيث البيئة الآمنة التي تمنحنا الحب والعافية.. قراءة نشرات الطاقة على أجهزتنا المحمولة لا يكلّف شيئا، والعمل بالإرشادات سيوفر الكثير من الجهود، المحافظة على المياه من الهدر واستخدام طرق الحصاد المائي، كما إعادة النظر في المواد الكيميائية التي نستخدمها أمر في غاية الأهمية، العودة للمواد الطبيعية وتجنّب المواد المصنّعة سيعود بالنفع على كل من الإنسان والبيئة، واعتماد الأغذية الصحيّة وتجنب الطعام الملوث والمصنّع سيساهم في تعزيز صحتنا الجسدية والعقلية، حيث أن وكما نردد دائما: العقل السليم في الجسم السليم، والعقل السليم خلّاق، سيقودنا للمزيد من الحلول التي نحتاجها.

((دعونا نجعل التطور الذي وصلنا إليه وسيلة للحد من مشاكلنا بدلا من أن يكون حلًا تصاحبه مشكلات أعقد.))

عودة لعنوان المقال، نحن لسنا بصدد مناقشة سبب انتشار هذا الفيروس؛ لأن علم الفيروسات علم قائم بذاته، ولكن على كل شخص قراءة معطيات وتبعات كل ما يحدث حوله ومحاولة استنباط الرسالة التي يحملها كل حدث، ولا أظن أن انتشار الفيروس  حصل بمعزل عن الظروف البيئية التي نعيشها

وهذا ما وفقنا الله لفهمه وسددنا إليه، وبتعبير التوحيدي-رحمه الله- نقول: اللهم إنا نبرأ من الثقة إلا بك، ومن الأمل إلا فيك، ومن التسليم إلا لك، ومن التفويض إلا إليك، ومن التوكل إلا عليك، ومن الطلب إلا منك، ومن الصبر إلا على بلائك، اللهم تتابع برك واتصل خيرك وعظم رفدك وتناهى إحسانك وصدق وعدك وبرَّ قسمك وعمت فواضلك وتمت نوافلك، ولم تبق لنا حاجة إلا وقد قضيتها أو تكفلت بقضائها فاختم ذلك كله بالرضا والمغفرة، إنك أهل لذلك والقادر عليه

author avatar
Heba Alshatnawi
Heba Shatnawi is a graduate in Natural Resources and Environment from Jordan University of Science and Technology. Currently she is a volunteer at the Royal Health Awareness Society.
Tagged , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Heba Alshatnawi

Heba Shatnawi is a graduate in Natural Resources and Environment from Jordan University of Science and Technology. Currently she is a volunteer at the Royal Health Awareness Society.

2 Responses to فيروس كورونا: فرصة لإعادة النظر

  1. Pingback: كورونا - درس مطلوب فهم بعده البيئي | EcoMENA

  2. Pingback: دور الشركات الناشئة في التعافي المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا | EcoMENA

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.