الديمقراطية القيمة والثقافة الإنسانية التي على الرغم من تنازع الرؤى والمفاهيم حول جوهر مضامينها وتوصيفاتها وضرورة وجودها ومدى شمول توافق أنماطها مع تقاليد وقيم المجتمعات الإنسانية على اختلاف ثقافاتها وانتماءاتها العرقية والدينية، وخصوصية أنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، تبقى المطلب الإنساني الذي صار يؤكد ضرورة وجوده في مواجهة الأزمات والكوارث الإنسانية وزحمة التراجعات في المفاهيم القيمية للعلاقات، وما يسببه ذلك من شرعنة ثقافة الجريمة وإحاطتها بحزام من التقاليد لثقافة التخلف، والتوجه بشكل متسارع لجعل ثقافة الغاب الوسيلة التي تحكم المجتمع البشري.
تلك الحقيقة نتبينها في الانزلاق المتسارع نحو ثقافة الجريمة المبنية على قشور تاريخ ومبادئ ثقافات وهمية تشبه فقاعة الصابون، لكنها أحدثت جروحاً بائنة المعالم ومؤلمة في مسير التطور الحضاري للشعوب والأمم، وتسببت في تصدع بنية وحدة التنوع الثقافي للمجتمعات. ويشكل ذلك الواقع مقدمات ساهمت في تأسيس قناعات المجتمع الدولي بضرورة تفعيل العمل الدولي المؤسس والموجّه للحرب على ظاهرة جريمة العصر المتواترة مخاطرها على الأمن الإنساني، للتمكّن من بناء المبادئ والقيم التي تعضد مقومات الحق الإنساني بمختلف تجلياته، والتي تؤسّس لبناء منظومة القيم العالمية للديمقراطية كمطلب حضاري للتنمية وتحقيق أهداف الألفية التي تبناها المجتمع الدولي.
القرارات الدولية على اختلاف توجهاتها ومحاورها ومعالجاتها للقضايا الإنسانية، أسّست لنشوء حركة تنويرية ممنهجة الرسائل والوسائل والاتجاهات والأهداف، وساهمت في تحفيز حراك المجتمع الدولي لبناء منظومة المبادئ التي يمكن أن تؤسس لفلسفة الحكمة في إدارة المجتمعات، وتشكل المقوّم الرئيس في مبادرة الجماعة الدولية في إصدار القرار رقم (A/62/7-2007) القاضي باعتماد الخامس عشر من سبتمبر يوماً عالمياً للديمقراطية.
الكاتب البحريني حسن مدن ضمن مداخلته في الندوة التي جرى تنظيمها احتفالاً باليوم العالمي للديمقراطية في «جمعية المنبر الديمقراطي التقدمي»، أشار إلى أن «الديمقراطية قيمة إنسانية مطلقة لا يمكن تجزئتها»، ويمكن القول أن ثوابت الديمقراطية تتجلى في قيمة مبادئ الحق الإنساني بمختلف تجلياتها، ويتجسد جوهرها في مبادئ إعلان الأمم المتحدة بشأن الألفية، وكذلك في المواثيق الدولية في الشأن البيئي، وذلك ما يمكن تبينه في إعلان مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية العام 1972، الذي أكّد في المبدأ (1) على أن «للإنسان حق أساسي في الحرية والمساواة وفي ظروف عيش مناسبة في بيئة تسمح نوعيتها بالحياة في ظل الكرامة وبتحقيق الرفاه، وهو يتحمل مسئولية رسمية تتمثل في حماية البيئة والنهوض بها من أجل الجيل الحاضر والأجيال المقبلة».
الحق في توفر المعلومة والتعويض عن الأضرار البيئية مقوّم مهم في منظومة الحقوق البيئية والثقافة الديمقراطية، لذلك حرص المشرّع الدولي على النص عليها في المبدأ (10) من مبادئ وثيقة إعلان «ريو بشأن البيئة والتنمية» (1992) الذي أكّد على أنه «تعالج قضايا البيئة على أفضل وجه بمشاركة جميع المواطنين المعنيين، على المستوى المناسب، وتوفر لكل فرد فرصة مناسبة على الصعيد الوطني للوصول إلى ما في حوزة السلطات العامة من معلومات متعلقة بالبيئة، بما في ذلك المعلومات المتعلقة بالمواد والأنشطة الخطرة في المجتمع، كما تتاح لكل فرد فرصة المشاركة في عمليات صنع القرار. وتقوم الدول بتسيير وتشجيع توعية الجمهور ومشاركته عن طريق إتاحة المعلومات على نطاق واسع. وتكفل فرصة الوصول بفعالية إلى الإجراءات القضائية والإدارية، بما في ذلك التعويض وسبل الإنصاف». ويتوافق مع ذلك ما يجري النص عليه في المبدأ (43) في وثيقة مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو+20)، حيث يشير إلى أن المجتمع الدولي يؤكد على أن «المشاركة العامة الواسعة وتوفير فرص الوصول إلى المعلومات والإجراءات القضائية والإدارية أمران أساسيان في تعزيز التنمية المستدامة».
المجتمع الدولي أخذاً في الاعتبار الديمقراطية كمبدأ إنساني، آثر النص عليها بشكل صريح في إعلانات المواثيق الدولية حول الشأن البيئي، للتأكيد على أهمية هذا المبدأ في استراتيجية المشروع الدولي البيئي، وذلك ما يمكن تثبت واقعه في وثيقة مؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة (جوهانسبرغ 2002)، حيث يجري التأكيد في المبدأ (61) على أن المجتمع الدولي «يسلم بأن الديمقراطية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، وتحقيق السلم والأمن، هي جميعها أمور أساسية لتحقيق التنمية المستدامة بصورة كاملة. وهذه الأهداف، مجتمعةً، هي أهداف مترابطة على نحو لا ينفصم كما أنها تعزّز بعضها بعضاً».
كما يجري التأكيد على ضرورتها في وثيقة «ريو+20» لتجسيد الحق الإنساني للمجتمعات في توفر مقومات الحياة الكريمة وبناء مجتمع العدالة الرشيدة، حيث يجري التأكيد في المبدأ (10) على أن المجتمع الدولي يدرك بأن «الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون، على الصعيدين الوطني والدولي، فضلاً عن إيجاد البيئة المواتية، هي أمور أساسية للتنمية المستدامة، بما في ذلك النمو الاقتصادي المطرد والشامل، والتنمية الاجتماعية وحماية البيئة والقضاء على الفقر والجوع». وتشير في المبدأ ذاته إلى أن الدول تجدّد تأكيد التزامها ببلوغ أهدافها الإنمائية المستدامة، وتؤكّد الحاجة إلى إقامة مؤسسات فعالة وشفافة ومسئولة وديمقراطية على جميع الأصعدة.
Pingback: الفكر البيئي | EcoMENA
Pingback: الحس البيئي - البعد النفسي والروحي | EcoMENA