يعد امتلاك الأدوات المناسبة لمواجهة التحديات المستقبلية واجباً و تحدياً لقادة الغد، كما يعد تهيئة أطفالنا على أن يكونوا مستعدين على نحوٍ كاف للمستقبل الذي سيرثونه أمراَ مماثلاً بالأهمية. تزامناً مع تفاقم الإحساس بالتغيرات المناخية في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الآثار الكارثية المترتبة على ذلك و التي لم تكن واضحة علمياً من قبل، فإن التعليم البيئي يعد المفتاح لمستقبل أفضل. في عصر نشهد فيه يومياً ازدياداً كبيراً لأعداد الأطفال غير المرتبطين بالطبيعة المحيطة بهم، علينا أن ندرك أهمية الاستثمار الحقيقي في التعليم البيئي والتعلم المعتمد على الأنشطة الخارجية قريباً من الطبيعة.
أظهرت الدراسات أن التعليم البيئي يساعد على تحسين دور الطلاب في العملية التعليمية مما يساهم في تحسين تحصيلهم العلمي وتشجيعهم مستقبلاً على اختيار مهن مرتبطة بالمحافظة على البيئة والموارد الطبيعية. علاوة على ذلك، فإن التعليم البيئي يساعد الأطفال على تحسين أدائهم المدرسي في المواضيع الدراسية الأخرى كالعلوم الاجتماعية واللغات والفنون والرياضيات.
المشاركة على مختلف المستويات
يكمن سر النجاح في عملية التعليم البيئي بالعمل على مختلف المستويات، وإشراك جميع الأطراف في تلك العملية التعليمية سواءاً الطلاب أوالمعلمين أوأولوياء الأمور أوالإداريين أو العاملين الآخرين في المدارس. في نهاية المطاف، يساعد التعليم البيئي على ربط جميع الأطراف المشاركة مع المجتمع المحيط بهم. إن نجاح العناصر المختلفة لهذه العملية التعليمية يعتمد على التفاعل والمشاركة حيث يلعب المعلمون هنا دوراً إرشادياً لتشجيع الطلاب على اكتشاف الحلول بمفردهم من خلال أربعة خطوات على النحو التالي: بداية يقوم الطلاب بمراجعة استهلاكهم للموارد الطبيعية داخل مدارسهم بحيث يقوموا بتحديد هذا الاستهلاك وتقييم الجهود التي تبذلها المدرسة حاليا في مجال الإدارة البيئية.
في الخطوة الثانية، يقوم الأطفال بإنشاء وتفعيل أندية طلابية خاصة بالمواضيع البيئية تسمى “الأندية البيئية”. تهدف هذه الأندية إلى إتاحة الفرصة للطلاب للمشاركة في مشاريع وأنشطة بيئية، كما تساهم بتوفير منصة لتبادل الأراء والخبرات بين الطلاب وأولوياء الأمور وموظفي المدرسة والمجتمع بشكل عام فيما يخص المشاكل البيئية المحيطة بهم، من أجل إيجاد الحلول وتعزيز السلوك البيئي الإيجابي. في هذه الخطوة، يمكن للمدارس أن تنفذ مشاريعاً مختلفةً للحفاظ على البيئة سواءاً داخل المدرسة أو خارجها كاستحداث طرق جديدة فعالة للري وتخفيض حجم النفايات والحد من استهلاك الكهرباء والمياه وأخيرا العمل على تقليل تلوث الهواء.
في الخطوة الثالثة، يتم تنظيم دورات تدريبية خاصة بالمعلمين أنفسهم وإصدارمناهج تعليمية بأشكال و مواضيع مختلفة من أجل مساعدتهم على تنفيذ البرامج التعليمية البيئية بطرق مبتكرة. تهدف هذه الخطوة إلى مساعدة المعلمين على التأقلم مع برامج التعليم البيئي الجديدة وتمكينهم من أن يصبحوا قادرين على تدريس المواضيع البيئية المختلفة كالتنوع البيولوجي والتغير المناخي وغيرها من التحديات التي تواجه البيئة على الصعيد المحلي والعالمي.
في الخطوة الأخيرة، يتم اشراك الطلاب في رحلات ميدانية خارجية و ذلك من أجل ربطهم مباشرة مع البيئة المحيطة بهم مما يتيح لهم الإطلاع على التحديات البيئية وأسبابها، و بالتالي تشجيعهم على إيجاد الحلول المناسبة. ويمكن ربط هذه الرحلات البيئية مع المنهاج المدرسي إذ توفر فرصة للتعلم المباشر من البيئة المحيطة مما يساعد على تعزيز المفاهيم البيئية المختلفة لدى الطلاب، وزيادة استخدامهم للحواس المتعددة مثل البصر والسمع و غيرها أثناء التعلم، و بالتالي رفع قدرتهم على اكتساب المعلومات البيئية. يعد نجاح المدارس في القيام بمثل هذه الرحلات الميدانية البيئية ركيزة أساسية في نجاح التعليم البيئي وذلك لأنها توفر مجموعة متكاملة من المغامرات المميزة والتي تساعد على الاستكشاف والمعرفة.
مما لا شك فيه بأن النتيجة النهائية والأكبر من التعليم البيئي هي تثقيف أطفالنا بأهمية أن يصبحوا مواطنين بيئيين جيدين أي حريصين على البيئة المحيطة بهم.
التحديات في الشرق الأوسط
تواجه منطقة الشرق الأوسط ظروفا بيئية صعبة تزداد تدهوراً بسبب الازدياد السكاني الكبير وارتفاع معدلات الفقر مما يجعل من رفع الوعي البيئي والتوعية بأهداف التنمية المستدامة أولوية. بشكل عام، يعد انعدام الوعي بأهمية المحافظة على البيئة من أبرز التحديات التي تواجه العاملين في هذا القطاع.
تتمتع معظم البلدان في الشرق الأوسط بمستويات عالية من التعليم، حيث يلتحق جزء كبير من السكان بالتعليم الثانوي والتعليم العالي، ولكن مع الأسف، لا تعد التنمية البشرية والثروة المالية مرادفتين دائماً للوعي البيئي العالي والاهتمام الكافي بقضايا الاستدامة. على سبيل المثال، يساهم قطاع السياحة في الأردن ولبنان بنسبة كبيرة من الناتج الاجمالي المحلي، و بالتالي تركز هذه الدول على هذا القطاع دون غيره.
في دراسة استقصائية جديرة بالاهتمام أجريت في سلطنة عمان، أظهرت النتائج أن الوعي البيئي لدى الشعب العماني ليس مرتبطاً بمستوى التعليم فقط، و إنما أيضاً بالنوع الاجتماعي (الجندر) والعمر. وخلصت الدراسة إلى أن الذكور لديهم مستوى أعلى من المعرفة بالقضايا البيئية مقارنة بالإناث، وأنهم أكثر اهتماماً بالقضايا البيئية حيث يميلون إلى الانخراط في سلوكيات بيئية جيدة بشكل أكبر. أما من ناحية العمر، فقد أظهرت الدراسة أن المشاركين الشباب الأصغر سناً والأكثر تعليماً لديهم اهتماماً أكبر بالقضايا البيئية مقارنة بالمشاركين الأكبر سناً والأقل تعليماً.
من الأمثلة على التحديات الأخرى التي تواجه عدداً من البلدان في الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر هي نمط الحياة الاستهلاكي العالي. على الرغم من أن مستويات الوعي البيئي في هذه البلدان تعد أفضل من غيرها، إلا أنها تعاني من معدلات استهلاكية عالية. على سبيل المثال، يبلغ معدل الاستهلاك اليومي من المياه للفرد الواحد في المملكة العربية السعودية و دولة الامارات العربية المتحدة 265 و 550 لترا على التوالي، وهو ما يتجاوز بشكل كبير متوسط الاستهلاك العالمي.
التجربة الإماراتية: مشاركة الشباب الإماراتي
يعد تثقيف الشباب الإماراتي وتهيأتهم لقيادة مستقبل مستدام لبلدهم هو الهدف الأول في استراتيجية التوعية البيئية الوطنية لدولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تشجع وزارة التغير المناخي والبيئة الشباب على الابتكار وعلى أن يكونوا جزءاً من الجهود البيئية العالمية.
في الآونة الأخيرة، اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خطوة كبيرة في مجال التعليم البيئي في جميع المدارس حيث قام وزير التغير المناخي و البيئة الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي بالإعلان في شهر تشرين الثاني الماضي عن إدراج مواضيع كالوعي البيئي و أهمية المحافظة على البيئة ضمن الخطط الدراسية في جميع أنحاء الدولة.
في إطار الخطط الرامية إلى تعديل المناهج الدراسية لتشمل مواضيع تخص الاستدامة، سيتم تدريب جميع طلاب المدارس من كافة الأعمار بما فيها مدارس القطاع الخاص على كيفية تبني إجراءات لتوفير الطاقة كإطفاء وحدات الإنارة وإغلاق وحدات تكييف الهواء عندما لا تكون هذه الوحدات قيد الاستعمال، كما سيتم تدريبهم على كيفية اتخاذ اجراءات لتوفير استخدام المياه. إضافة الى ذلك، سيتم تشجيع كل الطلاب على نشر هذه الرسالة بين أسرهم وأصدقائهم وذلك ضمن مبادرة تسمى “مدارس مستدامة” و التي تم اطلاقها كجزء من برنامج أطلق في إمارة أبو ظبي عام 2009.
نتيجة لكل الجهود التي تبذلها الحكومة الإماراتية في هذا المجال، فقد لاحظت زيادة في أعداد المتطوعين من المواطنين الإماراتيين المشاركين في برامجنا. لقد كان غالبية المشاركين في بعض أنشطتنا البيئية كزراعة الاشجار ومبادرات الحد من التلوث عادة من سكان الإمارات العربية من الجنسيات الأخرى كالهنود والأوروبيين، إلا أن مجموعات كبيرة من الشباب الإماراتيين قد تقدمت مؤخرا للمشاركة بشكل فعال في هذه البرامج، كما لازلنا نتلقى العديد من رسائل البريد الإلكتروني من أفراد إماراتيين يرغبون بأن يصبحوا متطوعيين دائمين في برامجنا. هذا السلوك هو واحد من أكبر الإنجازات التي كنا نتمناها لدولة الإمارات العربية المتحدة.
المؤلف – تاتيانا أنتونيللي أبيللا
ترجمه: آيات صالح
عملت آيات في واحدة من أكبر شركات التصنيع الغذائية حيث قامت بالعديد من الأدوار في مجال إدارة المشاريع و الجودة و الإستدامة البيئية. تحمل اياتشهادة البكالوريوس في الهندسة صناعية و الماجستير في الإدارة الهندسية بالاضافة الى العديد من الشهادات الأخرى في مجال إدارة المشاريع و الحيود السداسي و إدارة البيئة كنظام الأيزو 14001 و شهادة الإدارة البيئية من مجلس الإمتحانات الوطنية في السلامة والصحة المهنية في بريطانيا (NEBOSH). المدونة الشخصية لآيات: www.ayatsaleh.com
Pingback: إشراك الشباب في العمل التطوعي البيئي | EcoMENA