أغلب سكان المدن يفضلون شراء الأطعمة المُغلّفة الجاهزة لتوفرها وسهولة الحصول عليها، وذلك لكثرة مشاغلهم. وإن تغليف الطعام يلعب دوراً هاماً في الحفاظ على جودته وصحته ومدة صلاحيته وقد يقلل من إهدار الغذاء. إلا أن كيماويات مواد التغليف قد تلوث الطعام وتسبب أمراضاً خطيرة.
هناك مجموعة من الكيماويات تسمى اختصاراً (PFAS) لا تذوب في الماء ولا في الدهون ولا تلتصق بالطعام وتستخدم في مئات المنتجات بما في ذلك تغليف الاطعمة. وقد ثبت ارتباطها بأمراض خطيرة بسبب تراكمها في جسم الإنسان الذي يتناولها يومياً مع الماء والغذاء ولا يستطيع الجسم التخلص منها بالسرعة الكافية. لذلك وجدت هذه الكيماويات في الدم والبول وحليب الأمهات ودم الحبل السري للأجنة، بل منتشرة في أجسام البشر من كل الجنسيات، وثبت تأثيرها على الكبد والإخصاب والنمو وتم ربطها بالأورام وخلل الغدة الدرقية وعمل الهرمونات. كذلك تزيد من احتمال اصابة الحوامل بارتفاع الضغط ونوبات التشنج وتقلل من فعالية تطعيم الطفال.
وتعتبر مواد تغليف الوجبات السريعة وأوانيها من أهم مصادر هذه الكيماويات السامة، إذ كشفت دراسة لوكالة الغذاء والدواء الأمريكية انتقال هذه المواد من الأغلفة الى الغذاء وتلويثه، خاصة الأطعمة الدهنية، ووجدت مركبات الفلور في 40% من أغلفة الوجبات السريعة التي خضعت للدراسة وشملت السندوتشات والبيتزا والدجاج المقلي والحلويات. كما أنها وجدت في أكياس الفشار ومياه الشرب وكيماويات التجميل والملابس.
وهذا سبب آخر لتفادي الوجبات السريعة والأغذية الدهنية الجاهزة، خاصة بالنسبة للأطفال والحوامل لأن التأثير على الأجنة والأطفال أكبر كثيراً لسرعة نموهم وصغر أوزانهم مما يجعل التركيز أكبر. والأطفال بطبيعتهم أكثر تعرضاً للكيماويات عن طريق حليب الأمهات الملوث أو حركتهم ولمسهم لكل الأشياء حولهم ومن ثم ادخال ايديهم في فمهم.
في ولاية واشنطن الأمريكية تم التوقيع على أول قانون ولائي يمنع استخدام مركبات الفلور السامة في تغليف الأغذية في مارس 2018. وفي مدينة سانفرانسيسكو يتم التحضير لقانون يمنع استخدام هذه الكيماويات (PFAS) في الأدوات والأوعية البلاستيكية التي تستخدم لمرة واحدة ، بل ان ولاية كاليفورنيا في طور التشريع لإجبار صناعات أغلفة وأواني الطعام أن تطبع تحذيراً على المنتجات التي تحتوي على هذه المجموعة من الكيماويات.
وبنظرة فاحصة لأواني الأطعمة والمشروبات، فإن الزجاج يعتبر من الأواني الآمنة ، الا أن الأغطية المعدنية ربما تحتوي على مادة الافثالات (phthalate) التي تعرقل عمل الهرمونات. علب الألمنيوم قد تحتوي على مضاد حيوي مسرطن ومهيج للحساسية من مركبات الفينول (ortho-phenylphenol) يستخدم للتخلص من البكتيريا والفطريات.
أما الأواني البلاستيكية فهي الأكثر إثارة للجدل في الأوساط العلمية لإحتوائها على كيماويات ارتبطت في بعض الدراسات بالتأثير السلبي على نمو الدماغ والجهاز التناسلي في الأطفال. كما أن البلاستيك الذي يدخل في صناعة كرتون الحليب والعصير والمعروف بالبولي أوليفين (polyolefins) يحتوي على مركب البنزوفينون (benzophenone) الذي يؤثر سلباً على الجهاز التناسلي للمرأة.
وفي حالة استخدام الورق والكرتون لتغليف الأغذية يجب الحذر من أحبار الطباعة التي يمكن أن تلوث الأطعمة مسببة خلل هرموني. بل ان أواني الورق المعاد تدويره قد تحتوي على كيماويات سامة من عائلة الإفثالات تسبب مشكلات في الجهاز الهضمي هي داي ايزوبيوتايل افثالات (di-isobutyl phthalate) و داي ان بيوتايل افثالات (di-n-butyl phthalate).
وعليه ولسلامة الإنسان في كل مكان، يجب على هيئة الصحة العالمية ووزارات الصحة ومنظمات المجتمع المدني أن تطالب الصناعات الغذائية بمراجعة وتغيير مبدأ ومفهوم تغليف الغذاء من أساسه.