في السنوات الأخيرة، أثارت الكميات الهائلة من النفايات الغذائية خلال شهر رمضان المبارك جدل كبير في البلدان الإسلامية وغيرها. وفقا تقديرات متحفظة، نحو خمس المواد الغذائية التي يتم شراؤها أو التي أعدت خلال شهر رمضان تجد طريقها إلى صناديق القمامة أو مقالب النفيات. وهذا يمثل الاف الأطنان من المواد الغذائية الثمينة التي كان يمكن استخدامها لتغذية عشرات الملايين من الجياع في الدول الفقيرة في آسيا وأفريقيا وأماكن أخرى.هذه الكمية المذهلة من النفايات الغذائية خلال شهر رمضان تتطلب استراتيجية قوية وعاجلة للتقليل منها ،و استغلالها بشكل مستدام و كذلك التخلص منها بكيفية صديقة للبيئة.
خطورة الوضع
تعتبر دول الشرق الأوسط أكبر المبذرين للاغذية في العالم، وخلال شهر رمضان يأخذ الوضع منعطفا نحو الأسوأ. شهدت مدينة مكة المكرمة انتاج 5000 طن من مخلفات الطعام خلال الأيام الثلاثة الأولى من شهر رمضان في عام 2014. و يضيع حوالي 500 طن من المواد الغذائية في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال شهر رمضان المبارك. في البحرين، وتوليد النفايات الغذائية يتجاوز 400 طن يوميا خلال الشهر الفضيل.نفسه الحال في قطر حيث يجد ما يقرب من نصف المواد الغذائية التي أعدت خلال شهر رمضان طريقها إلى صناديق القمامة. السيناريو في دول إسلامية أقل ثراء ،مثل ماليزيا واندونيسيا ومصر وباكستان ،لا يختلف. وذكرت الوكالة الحكومية لإدارة النفايات الصلبة و التنظيف العمومي في ماليزيا، أن أكثر من 270،000 طن من المواد الغذائية ألقيت في صناديق القمامة خلال شهر رمضان.
لا حاجة للتذكير أن كمية النفايات الغذائية المنتجة في رمضان هو أعلى بكثير من غيره من الشهور،بنسبة تصل إلى 25٪. هناك ميول مزمن للمسلمين تجاه الإفراط في التساهل والإسراف في شهر رمضان، على الرغم من أن النبي محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) أمرالمسلمين تبني الاعتدال في كل مناحي الحياة. المواقف الاجتماعية والثقافية وأنماط الحياة المترفة تلعب أيضا دورا رئيسيا في توليد المزيد من فضلات الطعام في شهر رمضان في الدول الإسلامية كلها تقريبا. الفئات ذات الدخل المرتفع عادة ما تظهر معدلا أكبر من النفايات الغذائية للفرد الواحد بالمقارنة مع الفئات الأقل ثراء. في الدول الإسلامية، الفنادق والمطاعم تساهم بقدر كبيرمن النفايات الغذائية خلال شهر رمضان بسبب البوفيهات المترفة وحفلات الإفطار الباهظة.
النهج القويم
أهم الخطوات للحد من هدر الغذاء في شهر رمضان تكمن في تغيير السلوك، وزيادة الوعي العام ،وسنّ التشريعات ، وإنشاء بنوك الطعام والمشاركة المجتمعية. نحن في حاجة إلى قوانين فعالة وحملات توعية لإقناع الناس بالإلتزام بتقليل النفايات و تبنّي أساليب الحياة المستدامة. انشاء بنوك الغذاء في المناطق السكنية وكذلك التجارية يمكن أن يكون وسيلة فعّالة جدا للاستفادة من فائض المواد الغذائية بطريقة إنسانية وأخلاقية.في الواقع، بنوك الغذاء في دول مثل مصر والهند وباكستان تعمل بنجاح، ولكن هناك حاجة ماسّة لمثل هذه المبادرات على نطاق أوسع لمواجهة هذا التهديد الذي تمثله فضلات الطعام.
وضعت دبي مبادئ توجيهية جديدة لخفض الهدر الغذائي وتبسيط التبرع بالمواد الغذائية الزائدة التي أعدت في الحفلات والبوفيهات. “حِـفْظ النعمة” هي مبادرة بارزة لضمان أن فائض الطعام من الفنادق وحفلات الإفطار والأسر لا يضيع وأن يصل إلى المحتاجين في ظروف آمنة وصحية.
خلال شهر رمضان المبارك لعام 2015، أطلقت بلدية دبي مبادرة تسمى “المنازل الذكية”، والتي سوف تستمر هذا العام. المبادرة تحث المقيمين في دبي على الحد من النفايات خلال الشهر الفضيل. “المنازل الذكية” هي تقنية لجمع النفايات في حاويات الإلكترونية تقيس كمية النفايات التي ينتجها كل منزل. المبادرة تستهدف أساسا المناطق السكنية التي أغلبها من آلإماراتيين بسبب تجمعاتهم العائلية الكبيرة. البيوت التي تنتج كمية أقل من النفايات خلال شهر رمضان تحصل على جوائز نقدية وشهاداتتنويه لتشجيعهم على تقليل النفايات.
بالإضافة إلى هذه المبادرات، يمكن لعلماء الدين وأئمة المساجد أن يلعبوا دور حيويا في تحفيز المسلمين على اتباع مبادئ الاستدامة الإسلامية، كما ذكر في القرآن الكريم والحديث الشريف. أفضل طريقة للحد من هدر المواد الغذائية خلال شهر رمضان هي أن نتضامن مع الملايين والملايين من الناس في جميع أنحاء العالم الذين يواجهون صعوبات كبيرة في الحصول على وجبة واحدة كل يوم.
ترجمه للعربية – يوسف بنغزواني
خريج المعهد العالي للتجارة و إدارة المقاولات بالمغرب. حاصل على البكالوريا في الاقتصاد وعلى ماجستير في إدارة الأعمال (MBA) من كندا. هو ايضا متخصص في إدارة المشاريع معتمد من قبل معهد إدارة المشاريع (PMI) في الولايات المتحدة الأمريكية.