عدّ شهر رمضان فرصة عظيمة للتقرّب إلى الله عز وجل ومراجعة العادات والسلوكيات اليومية، بما في ذلك العادات الغذائية. في هذا الشهر الفضيل، يدور التركيز حول الصيام والعبادة، لكن من الضروري أيضًا أن نتأمل في تأثير هدر الطعام على المجتمع والبيئة، خاصة مع ارتفاع معدلات الإسراف في الطعام خلال الإفطار والسحور.
قد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:
“وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ“
[الأعراف: 31].
هذه الآية الكريمة تضع أساسًا قويًا لمفهوم الاعتدال والوسطية في الاستهلاك، حيث ينهى الله سبحانه وتعالى عن الإسراف ويؤكد أن الاعتدال في الأكل والشرب هو سلوك محبب يرضي الله.
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا وَالْبَسُوا فِي غَيْرِ إِسْرَافٍ وَلَا مَخِيلَةٍ” [رواه أحمد].
يوجهنا هذا الحديث الشريف إلى تحقيق التوازن في استهلاكنا، فالإسلام يحث على الكرم والتصدق، لكنه في الوقت ذاته يدعو إلى عدم التبذير والإسراف.
تتعدد أسباب هدر الطعام خلال شهر رمضان، ومن أبرزها تحضير كميات زائدة من الطعام تفوق احتياجات العائلة، مما يؤدي إلى التخلص من الفائض، إضافة إلى التسرّع في إعداد مائدة الإفطار دون تخطيط مسبق، مما يجعل بعض الأطعمة تتعرض للتلف قبل تناولها. ثم أن العادات الاجتماعية، مثل الولائم الكبيرة، تساهم في زيادة الإسراف بشكل ملحوظ.
لتجنب هذه الظاهرة، يتحمل الأفراد والمجتمعات مسؤولية الحد من هدر الطعام عبر اتخاذ قرارات واعية على مستوى الأسرة والمجتمع. يمكن تحقيق ذلك من طريق التخطيط الجيد للوجبات، وشراء الكميات المناسبة من المواد الغذائية، وإعادة استخدام الفائض من الطعام بدلًا من رميه. كما يمكن تعزيز ثقافة التبرع بالطعام للمحتاجين في الجمعيات الخيرية التي تعمل على توزيع الطعام على الأسر الفقيرة.
إلى تلك إضافة، يمكن تقليل هدر الطعام بتبني ممارسات أكثر استدامة، مثل تخزين الطعام بطريقة صحيحة للحفاظ عليه مدّة أطول، والاستفادة من بقايا الطعام في إعداد وصفات جديدة، فضلًا عن التوعية المجتمعية حول أهمية الحفاظ على الموارد الغذائية.
في نهاية المطاف، يعد تقليل هدر الطعام سلوكًا نبيلًا يفضح القيم الإسلامية، ويساهم في تحقيق العدالة الاجتماعية بواسطة مساعدة الفقراء والمحتاجين. ثم أن تقليل الإسراف في الطعام يساعد في الحفاظ على الموارد الطبيعية وحماية البيئة من أضرار النفايات الغذائية. لذا، فإن تبني عادات غذائية مسؤولة خلال رمضان يعد خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة والتكافل الاجتماعي.