يشهد العالم منذ أواخر القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين تفاقم التحديات البيئية العالمية، لعل من أبرزها ظواهر الاحتباس الحراري والتغير المناخي وفقدان التنوّع الإيكولوجي وندرة بعض الموارد الطبيعية وغيرها.في هذا الإطار ، تجمع مختلف التقارير على دور مصادر الطاقة التقليديّة في هذه المؤشرات الخطيرة التي تنبئ بالأسوأ إذا لم يقع اتخاذ إجراءات هيكلية لتغيير المنوال الطاقيّ خصوصا في الدول النّامية.
في هذا السياق ، دعت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى إنهاء طريقة استخدام الوقود الأحفوري بلا أي قيود في أسرع وقت ممكن “إذا كان العالم يريد أن يتجنب تغيرا خطيرا في المناخ.”
وطالبت الهيئة، التي تدعمها الأمم المتحدة، إلى العمل على أن يكون إنتاج معظم الكهرباء في العالم من مصادر منخفضة الكربون بحلول 2050 ، مؤكدة على ضرورة التخطيط لإنهاء استخدام الوقود الأحفوري بشكل نهائي بحلول 2100.
إذ يقول ميلز آلان، الاستاذ بجامعة أوكسفورد وعضو الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ: “لا يمكن لنا تحمل حرق كل هذا الوقود الأحفوري من دون التعامل مع النفايات الصادرة المتمثلة في ثاني أوكسيد الكربون.”
وأضاف: “إذا لم يكن في استطاعتنا الوصول إلى سبيل لتجميع الكربون، فسيتعين علينا وقف استخدام الوقود الحفري إذا أردنا وقف أخطار التغير المناخي، وهذه رسالة واضحة جدا في تقارير الهيئة.”
هذه التوصيات تتطلّب الوقوف ضد مشاريع الوقود الأحفوري الجديدة التي تخفي بها عدد من الحكومات فشلها الذريع في تنفيذ وعودها بتأمين انتقال تدريجي إلى مصادر الطاقة البديلة. على سبيل الذكر لا الحصر، كيف تخطط دولة مثل بنغلاديش التي تقبع في المراتب المتأخرة لمؤشرات التنمية الاقتصادية لشراء طاقة الفحم من الهند بسعر باهظ للغاية ؟! دون أن نغفل عن منشآت الفحم المخططة في بوتسوانا وزمبابوي اللتين ستهددان حق الأجيال القادمة في بيئة سليمة .
من جهة أخرى، لا تبدو الصورة أقل قتامة في إندونيسيا التي لطالما أشارت في مختلف قمم المناخ إلى نيتها في اعتماد مصادر الطاقة المتجددة بنسبة 30٪ بحلول عام 2025 ، إذ أن تخطيطها إلى إضافة 12000 ميجاوات إضافية من طاقة الفحم يضفي الكثير من الشكوك حول جديّة هذا التوجّه.
أما في الأرجنتين ، فإن السبق في اكتشاف ثاني أكبر حقل غاز في العالم قد جعل المسؤولين هناك يغضون الطرف عن المخاطر المحدقة باستخراج أكثر أنواع الغاز الطبيعي ضررا على المائدة المائية وهو الغاز الصخري الزيتي.
كل هذه الخطوات الخطيرة التي انتهجتها هذه الحكومات لاقت معارضة متوسطة التأثير خصوصا مع أساليب التعتيم والمراوغة عند شرح مختلف هذه البرامج. لهذا السبب ، يجب العمل على زيادة وعي الشعوب باستثمارات حكوماتها في مجال الوقود الأحفوري وتشجيعها على حماية مواردها الطبيعيّة بكافة الوسائل المتاحة.
عزيزي القارئ ! لا تتخيّل أنّ مقومات الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة غير متوفّرة بمنطقتك بل أن مخزونها قد يكون أعلى بكثير من مصادر الطاقة التقليدية. إذ أشار تقرير الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا»، الذي انعقد في أبو ظبي في 24 و25 تشرين الأول/ أكتوبر 2010، إلى أن كل كيلو متر مربع من أراضي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على سبيل المثال يتلقى قدرًا من الطاقة الشمسية سنويًا يعادل 5,1 مليون برميل من النفط الخام. وعلى الرغم من وفرة تلك الطاقة، أبدت الدول العربية تباطؤًا في تبني تقنيات توليد الطاقة الشمسية، الأمر الذي يرجع لأسباب منها احتياطيات الوقود الأحفوري الهائلة التي تتمتع بها تلك الدول، فضلًا عن دعم حكوماتها للطاقة لفترة طويلة.
يجب إذن تطوير مستوى الوعي بالتداعيات الإيجابية لوقف مشاريع الوقود الأحفور على الصعيد الاقتصادي ودوره الهام في استحداث عدد كبير من فرص العمل وملايين الوظائف الخضراء في قطاعات مثل الطاقة المتجددة ونظم النقل المستدام والزراعة وحماية البيئة والصناعة والأبحاث والتنمية والإدارة والنشاطات والخدمات علاوة على أنّ إمكانات النمو الوظيفي في هذا القطاع هائلة.
من هذا المنطلق، لا ينبغي أن يكون النقص في الموارد المالية وفي توفر التكنولوجيا المتطورة في هذه البلدان الشماعة التي تعلق بها هذه الأخيرة عجزها عن استخدام هذه الطاقة الصديقة للبيئة. وبالتالي، يتوجب على منظمة الأمم المتحدة وبرامجها المتخصصة في مجال البيئة والتنمية، والمؤسسات المالية الدولية وخصوصاَ صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمات الإقليمية وتحديدًا الاتحاد الأوروبي والبنوك والصناديق المالية العربية، مساعدة الدول الإفريقية الفقيرة ودول غرب آسيا من أجل الاستفادة من الكميات الهائلة من الطاقة المتجددة التي تتوافر لديها، وذلك من خلال تقديم المساعدات المالية ونقل التكنولوجيا وتشجيع الاستثمار في هذا القطاع الحيوي.
في الختام، إن تغيير العادات الطاقية لبلد ما ينبع أساسا من إرادة شعبه. لهذا ، يجب أن تتظافر الجهود لرسم استراتيجية ناجعة تحول دون استنزاف الموارد وخسارة التنوع البيولوجي ولا مكان فيها لأي مصدر طاقة مضر بالبيئة وفي طليعتها الوقود الأحفوري .
Pingback: نظرة عامة حول جودة الهواء في الدول العربية | EcoMENA
Pingback: التحديات البيئة لقطاع الطاقة في المملكة العربية السعودية | EcoMENA
Pingback: معلومات مضللة عن تغير المناخ