أظهرت الفيضانات الأخيرة التي عصفت بعدد من المحافظات التونسية أن تأثيرات التغيرات المناخيّة أضحت ملموسة أكثر من أي وقت مضى ، وهو ما أسال الكثير من الحبر حول مدى التزام تونس بمساهماتها الوطنية المحددة لكبح جماح هذه الظاهرة التي أرقت العالم. وضعت تونس، وهي رابع دولة عربية قدّمت مساهماتها المعتزمة المحددة وطنيًّا في مجال خفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة ، تغيّر المناخ في مرتبة متقدّمة على جدول أعمالها السياسي والاقتصادي باعتبارها البلد الأول في المنطقة الذي ضمّن دستوره الوطني الجديد إقرارًا بتغيّر المناخ تفرض من خلاله الدولة الحق في “بيئة سليمة ومتوازنة و المساهمة في سلامة المناخ بكافة السبل المتاحة”. كما تضمّن المخطط الخماسي للتنمية للفترة 2016-2020 محورًا خاصًّا بتعزيز مقومات الاقتصاد الأخضر.
من ناحية أخرى ، تبدي تونس نيّتها العمل بجد لخفض كثافة انبعاثاتها الكربونية بنسبة 13 في المئة بحلول سنة 2030. هذا ومن المنتظر أن تزداد حصّة الطاقة المتجدّدة في إنتاج الكهرباء لديها إلى 14 في المئة بحلول سنة 2020، و30 في المئة بحلول سنة 2030.
في المقابل، يشكّك عدد من خبراء البيئة في جديّة توجه تونس نحو الانتقال إلى مصادر الطاقة النظيفة والآمنة نظرًا للكم الهائل من التحديات القائمة ذات الصلة بالجوانب القانونية والاجتماعية والتمويل والتنفيذ.
و أبرز الخبير البيئي عبد العزيز دبار في تصريح لموقع ” إيكومينا ” أنّ وزارة البيئة ولجنة الطاقة في البرلمان تمضيان قدما لتنفيذ برنامج للطاقة النووية مستقدمة من روسيا دون أية توضيحات حول سبل الحماية من آثارها الجانبية، خصوصًا أنّ هذه الطاقة دقيقة للغاية و مضارها أكثر من منافعها بالنسبة لبلد مثل تونس، وفق تعبيره.
من جهته ، يعتبر الناشط الجمعياتي فؤاد كريم أنّ الحوافز التي تُقدّمها الدولة للمواطنين غير كافية لتعويض مصادر الطاقة التقليدية بأخرى أكثر مراعاة للبيئة ، وهو ما يجعل نسق الانتقال الطاقي بطيئا.
وشدّد فؤاد كريم على أنّ الأرقام التي تقدمها السلطات الحكومية تبقى صعبة التحقيق إذا لم يقع تطبيق استراتيجية محكمة لتحقيق الأمن الطاقي للبلاد وتنويع مصادر الطاقة والإنصاف الطاقي و الحوكمة والتنمية المستدامة.
و كشفت الحكومة التونسية ، في مارس/ آذار الماضي ، عن معالم خطة لاستثمار 5 مليارات دولار في قطاع الطاقة، بما فيها الطاقة البديلة، بحلول 2020 لتلبية احتياجات البلاد المتزايدة، لا سيما في ظل تراجع إنتاج النفط والغاز في السنوات الأخيرة باعتبارهما المحرك الأساسي لإنتاج الكهرباء.
كما شرعت تونس منذ عدة سنوات في تقليص الاقتصاد القائم على الكربون تدريجيا في خطوة التخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، لكن عدم وجود هيئة توجيهية لسياسة التعامل مع المناخ وضعف الموازنة المرصودة لاتخاذ تدابير ” حقيقية ” تتعلق بالتخفيف والتكيف ، يهدد هذه المساعي بصورة جدية.
تواجه تونس خيارات مهمة لسد احتياجاتها المستقبلية من الطاقة بطريقة مستدامة ماليا وبيئيا ، والكرة الآن في ملعب صنّاع القرار لرسم استراتيجية واضحة تجسد كل الشعارات الرنانة التي تتردد في المحافل الدولية.
Pingback: آثار التغير المناخي على الصحة العامة
Pingback: الأردن وتحدي التغير المناخ