حاز التعديل الجيني للكائنات الحية باستخدام التقنيات الحيوية على إهتمام عالمي من قبل مختصي العلوم الحياتية وشركات الإنتاج الغذائي والصيدلاني على حد سواء, حيث ترتبط تطبيقات التقنيات الحيوية بالقضايا الحيوية للإنسان الصحية منها والإنتاجية. يندرج التعديل الجيني تحت أحد فروع العلوم الحياتية ألا وهوعلم البيولوجيا الجزيئية والذي يتعامل مع المعلومات الوراثية المخزنة فيDNA من زاوية مبتكرة تماماً.
ما هو التعديل الجيني؟
هو تعديل المادة الجينية من خلال إستخلاص جينات محددة تحمل صفات معينة مرغوبة من كائن حي (إنسان, نبات, حيوان, مايكروب), ثم لصقها بجينات كائن حي آخر بهدف نقل تلك الصفة المرغوبة إلى الكائن المستقبِل، ويظهر هنا أن التقنيات الحيوية تختلف جوهرياً عن التهجين التقليدي, لأنها استطاعت أن تنقل الجينات على المستوى الخلوي بين أنواع حيوية مختلفة كلياً عن بعضها وبإستخدام طرق لا تحدث في الطبيعة. ولقد تم تعديل العشرات من الكائنات الحية لأهداف تجارية أشهرها البندورة والبطاطا والذرة والقطن والأرانب والأسماك والأبقار والطيور.
نظرة تاريخية
شهد القرن الماضي قفزة واسعة في مجالات العلوم الحياتية المختلفة ومنها علم الجينات والتعديل الجيني, حيث وضع العالم بيلوزيركسي حجر الأساس في عالم التعديل الجيني عندما نجح في عزل DNA نقي لأول مرة في عام 1935. وفي عام 1973 أطلق مختصّي الكيمياء الحيوية هيربرت بوير و ستانلي كوهين الطلقة الأولى في ثورة التعديل الجيني وذلك بنقل DNA من بكتيريا إلى بكتيريا أخرى وإنتاج أول DNAهجين. لاحقاً, وفي عام 1975 اجتمعت مجموعة من مختصي العلوم الحياتية مع بعض المحامين والأطباء في مؤتمر أسيلومار لمناقشة مخاطر التعديل الجيني ولوضع التوصيات للإستخدام الآمن لـ DNA المعدل. وفيما يلي مخطط زمني لأهم الأحداث في تاريخ المنتجات المحورة وراثياً:
ويظهر الجدول التالي مقارنة لنسبة إنتاج المحاصيل المعدلة في الولايات المتحدة بين عامي 1997 و:2019
الفوائد المتوقعة للمنتجات المعدلة جينياً:
أقرت منظمة (FAO) بأن للمنتجات المعدلة جينياً فوائد مرجوة, منها:
- تقليل إستخدام المبيدات الحشرية.
- زيادة الإنتاج الغذائي.
- رفع القيمة الغذائية في الطعام.
- فوائدها العلاجية والصيدلانية.
وبالرغم من هذه المزايا, إلا أن (FAO) أقرت أيضاً بوجود مخاطر لهذه المنتجات على صحة الإنسان والبيئة حيث أنها لم تخضع لتجارب طويلة الأمد لتؤكد سلامتها على المدى البعيد.
المنتجات المعدلة جينياً ومخاطرها البيئية
تشكل المنتجات المعدلة جينياً تهديداً على النظام الصحي والبيئي والمجالات الأخرى, فقد تُحدث طفرة جينية بخطورة من المستحيل التنبؤ بها خللأ غير قابل للإصلاح في التوازن البيئي. ويمكن إيجاز أهم مخاطرها البيئية المثبتة علمياً وغير المقصودة كما يلي:
- التأثيرعلى مايكروبات التربة: حيث أن موت الحشرات الناقلة للقاح النباتات المعدلة جينياً سيترك أثراً مأساوياً على مايكروبات التربة, بسبب تلويث مادتها الوراثية الطبيعية بالمادة الجينية المعدلة.
- نمو أعشاب ضارة خارقة وتسمم التربة: وذلك بسبب إنتقال الجينات المقاومة للمبيدات من النباتات المعدلة جينياً إلى الأعشاب البرية الضارة للزراعة, مما يُمكّن هذه الأعشاب من النمو سريعاً ومقاومة المبيدات المضادة لها, والذي بدوره يؤدي إلى زيادة استخدام المبيدات العشبية للقضاء عليها, وبالتالي إلى زيادة الكلفة على المزراعين وتهديد النظام البيئي.
- التلوث الجيني: وهو نوع من التلوث يستحيل التخلص منه, حيث تتلوث المادة الجينية الطبيعية للأنواع البرية بالمادة الجينية المعدلة, وذلك عن طريق المايكروبات أو حبوب اللقاح أوعبر النواقل الطبيعية الأخرى, لتشمل السلسلة الغذائية كاملةً.
- قتل الحشرات النافعة: فمثلاً, وجد أن لدى بعض النباتات المحوّرة جينياً قابلية لقتل الحشرات النافعة مثل النحل عند تغذيته على البروتينات الموجودة في أزهارها.
- تأثيرات سمية على اللبائن : فمثلاً, وُجد أن البطاطا المعدلة جينياً بـ (CAMV) نتج عنها نبات سام للحيوانات المخبرية اللبونة التي تتغذى عليها, مما أدى إلى تحطيم للأعضاء الرئيسية في جسم هذه الحيوانات.
- تهديد الأنواع المعدلة جينياً للأنواع البرية: فلقد وجد أن للأنواع المعدلة جينياً قدرة مضاعفة على النمو بشكل أسرع وبحجم أكبر بعشرات المرات من الأنواع الطبيعية, مما يعطيها أفضلية تنافسية للحصول على الموارد الطبيعية, فيؤول الأمر إلى تهديد بقاء النوع الطبيعي لاستنزاف مصادره الطبيعية كالغذاء من قبل النوع المهجن جينياً.
- تحطيم الغابات :يمكن لنوع من أشجار الغابات Super trees أن تنتج كيماويات قاتلة للحشرات الطبيعية، كما أن لها القابلية لقتل الحياة المحيطة بها بإستثناء الأشجار المعدلة جينياً, هذا النوع من التعديل الوراثي يتناقض مع قانون الغابات الطبيعية ولا يوجد دراسات تثبت أن هذه الغابات آمنة ولا تحطم البيئة الغابية.
- تهديد الأراضي الخصبة: فمثلاً, وُجد أن أنواعاً معدلة جينياً من بكتيريا planticola والتي استخدمت لتحويل المخلفات النباتية إلى سماد, استنزفت نايتروجين التربة الطبيعي كما أنها أنتجت الإيثانول الذي أثرعلى الأرض سلباً، وحتى بعد تثبيط فعالية هذه المايكروبات إلا أن التلوث استمر في التربة لثمانية أشهر.
- فقدان النقاوة الجينية: يتوقع العلماء أن سرعة إزدياد نمو الأغذية المعدلة جينياً سيؤدي إلى فقدان النقاوة في البذور وفي الأغذية الأساسية الطبيعية خلال خمسين عام أو أقل.
التوصيات
أثار إستخدام التقنيات الحيوية لإنتاج الأغذية المعدلة جينياً والتي أُغرقت بها الأسواق العالمية تساؤلاتٍ عديدةٍ تمس جوانب أخلاقية وإجتماعية ودينية تختلف إزائها وجهات النظر خاصة المتعلقة منها بالمستهلكين. وبالرغم من أن هذه المنتجات لا زالت تعتبر آمنة في الوقت الحاضر, لكن غياب هذه الآثار المباشرة لا يعني أنها لا تنطوي على مخاطرصحية وإقتصادية وبيئية مستقبلية, حيث يعترف العلماء أن هنالك ثغرات في المعارف بخصوص الآثار طويلة الأجل. أضف إلى ذلك أن الأغذية المعدلة جينياً قد تؤدي إلى ظهور آثاراً غير مقصودة, لذلك فإن عدداً من التدابير يجب إتخاذها, أهمها :
1.الأمـان الحيــوي Biosafety: لتقويم ومراقبة وإدارة المخاطر المحتملة والمتعلقة بـالمنتجات المعدلة جينياً.
- الحاجة الماسة إلى تشريع القوانين فيما يخص الشفافية وحق المستهلك وحق الدول في الحصول على المعلومات الكاملة عن هذه الأغذية.
3.حماية حقوق المستهلك: حسب الهيئة العامة للأمم المتحدة, فإن للمستهلك حق أساسي في معرفة نوع الغذاء الذي يتناوله وطريقة إنتاجه وهل هو آمن وما حدود هذا الأمان, وهذا يقودنا إلى البطاقة الإعلامية.
- تسمح البطاقة الإعلامية على المنتجات المعدلة جينياً للمستهلكين بممارسة تفضيلاتهم الدينية والأخلاقية أو الشخصية أو الصحية حيث أنها ستكون خير دليل للمستهلك لشراء الأغذية لمعرفة مكوناتها، فمثلاً المسلمين واليهود لا يأكلون لحم الخنزير، أما البوذيين فهم نباتيين, والهندوس لايأكلون لحم البقر.
- التوعية والإعلام: هنالك حاجة ملحة لتحضير مادة تعليمية مبنية على الأدلة العلمية المحايدة مع توضيح إيجابيات وسلبيات منتجات التقنيات الحيوية, كما يجب الإنتباه وفلترة مصدر المعلومات عن المنتجات المعدلة جينياً لأنها ستؤثر على نوعية المعلومات التي ستعرض للمسوؤلين والمستهلكين, لذلك تقع على عاتق خبراء العلوم الحياتية مسؤولية مجتمعية لتوعية المستهلكين والمشرعين عن موضوع التقنية الحيوية من حيث الفوائد المزعومة أو المخاطر المحتملة من خلال النشر العلمي الجماهيري وبالتنسيق مع وسائل الإعلام المختلفة.