في دول العالم المتقدم , أصبح الحوار الذي ينافس السياسة و القضايا المجتمعية هو البيئة . أصبحت البيئة محط أنظار الجميع الان بعد سنين طوال من السعي وراء التكنولوجيا و التطور و إهمالها بشكل ملحوظ . إن مفهوم البيئة لم يعد مقتصرا على النظافة و توفير المياه فحسب , بل أصبحت الدول و القارات تتنافس في مجال انتاج الطاقة النظيفة ( طاقة الرياح , الشمسية , الطاقة المائية , طاقة الحرارة الأرضية , طاقة المد و الجزر و طاقة الكتل الحرارية ) وذلك بعد الجزم بإمكانيتها في تأمين طاقة يمكن الإعتماد عليها في شتى الميادين و بشكل رئيسي بدلا من الطاقة النفطية التي تعتبر طاقة قابلة للنفاذ السريع .
في بداية الأمر انحصر تطبيق المشاريع الخاصة في مجال توليد الطاقة النظيفة و اعتماد مبدأ ” المباني الخضراء ” في الدول المتقدمة فقط , كأوروبا و أمريكا الشمالية حيث الإمكانيات و المساحة الواسعة و تقبلهم لهذه الفكرة بشكل سريع , نظرا للوعي و الثقافة الجيدة في تلك المنطقة .
ما هو المبنى الأخضر
المبني الأخضر هو المبنى الذي يراعي الاعتبارات البيئية في كل مرحلة من مراحل البناء، وهي التصميم، التنفيذ، التشغيل والصيانة، والاعتبارات الرئيسية التي تراعي تصميم الفراغات وكفاءة الطاقة والمياه، وكفاءة استخدام الموارد، وجودة البيئة الداخلية للمبنى، وأثر المبنى ككل على البيئة.الفرق الرئيسي بين المباني الخضراء والمباني التقليدية هو مفهوم التكامل، حيث يقوم فريق متعدد التخصصات من المتخصصين في البناء بالعمل معا منذ مرحلة ما قبل التصميم إلى مرحلة ما بعد السكن لتحسين خواص الإستدامة البيئية للمبنى وتحسين الأداء والتوفير في التكاليف.
الأبنية الخضراء في الأردن
بالحديث عن مفهوم المبنى الأخضر في الأردن , فإن انتشاره لم يكن ذو رواج كبير و لكنه بدأ يلقى اهتماما منذ الاربع سنين الماضية . وفكرة أن تقنع المواطن و المؤسسات الحكومية و الخاصة بفوائد المبنى الأخضر كانت من المستحيلات في بداية الأمر .
مفهوم المبنى الأخضر يحتاج للدعم كي يشعر الجميع بأهميته حيث أنه سيقدم فوائداً مالية و بيئية للأفراد الأردنيين , و منها :
الفوائد الإقتصادية
البناء الأخضر سوف يحفز صناعة حديثة في الأردن لمواد وتكنولوجيات جديدة تلزم في عمليات البناء. مما قد يوفر فرص عمل جديدة و يحسن هذه الصناعة في الأردن لما لها من أهمية في المستقبل . من المرجح ارتفاع أسعار النفط مستقبلا . فبالتالي ستساعد الابنية الخضراء على الحد من استهلاكه و تقليص التكاليف المتعلقة بالكهرباء و الوقود .
الفوائد البيئية
ترتيب المملكة هو الحادي عشر من حيث أفقر البلدان في مصادر المياه لذلك فإن فائدة وجود مبان خضراء سيوفر الكثير من ناحية المياه و شحها العام . المورد الشمسي في المملكة ضخم حيث انها تتمتع ب333 يوما شمسياً أي ما يعادل 8 ساعات مشمسة في اليوم الواحد من السنة, و بالتالي فإن أنظمة التسخين الشمسية التي تستعمل في المباني الخضراء ستكون ناجحة و فعالة .رفع كفاءة استخدام الطاقة في المباني من خلال اختيار مواد وأساليب العزل الأنسب .
كيف نعزز فكرة البناء الأخضر في الأردن ؟
تعزيز الوعي حول بناء مجتمع أخضر و أهميته للفرد و المجتمع .
فرض قوانين رسمية تعنى بأمور البناء الخاصة للمباني الخضراء .
تطوير القدرات و الإمكانيات التي من شأنها دعم مشاريع المباني الخضراء في الأردن , أي المساعدة في توفير المواد الخام و المساحات و ما إلى ذلك من السبل التي تعزز تمكين فكرة المبنى الأخضر بسهولة في الأردن .
التحديات التي تواجه الأبنية الخضراء في الأردن
هناك العديد من مهندسي البناء و المعماريين في الأردن ليس لديهم خبرة و معلومات كافية حول كيفية بناء و تصميم أبنية خضراء .
المواطنون قد لا يقتنعون بأن البناء الأخضر قد يساهم في توفير المياه و الكهرباء فلن يغامروا ببنائه .
المواطنون قد لا يفضلون التصاميم المحصورة للأبنية الخضراء من ناحية ترتيب الغرف و الاماكن .
في الأردن ليس هناك صناعة قوية لمواد البناء الخاصة بالمباني الخضراء , وفي حال الحاجة لها يتم استيرادها لكن بأسعار باهظة جدا .
وضع الأردن البيئي الان
الأردن حاله كحال أي دولة تقع في منطقة الشرق الأوسط , ما زال موضوع الإهتمام بقضايا البيئة بالنسبة لمجتمعه أمر رفاهي لا يسمن و لا يغني من جوع , لكن مع تقارب العوالم و اتساع دائرة التواصل , تحركت مجموعات بيئية عدة قاموا بتطوير انفسهم من هواة و متطوعين غير منظمين إلى منظمات و جمعيات و مجالس بيئية تسعى جادة لتطوير الوضع في الأردن . اصبح هناك جمعيات و منظمات تعنى بالبيئة الاردنية و بشكل جدي , و هناك مشاريع تقام على ارض الواقع كمشروع الخلايا الشمسية و مشاريع توفير المياه في شتى مناطق المملكة و لكن بتفاعل بطيء من المجتمع المحلي .
*في 11/اكتوبر/2009 تم إعلان أول جمعية مهنية غير ربحية غير حكومية تعنى و بشكل متخصص بمفهوم الأبنية الخضراء في الأردن وهي المجلس الأردني للأبنية الخضراء Jordan GBC , و يضم المجلس مجموعة من المهندسين و الباحثين المهتمين بمجال البيئة المستدامة و الطاقة المتجددة و ترسيخ و تطبيق فكرة المبنى الأخضر بشكل جدي في الأردن , كما تضم بعضويتها شركات وخبراء من مختلف الأعمال والتخصصات المرتبطة بتصميم المباني وتزويدها وإنشاءها في الأردن .
و بصدد العمل على مشاريع توسيع هذه الفكرة , كان نشاط الجمعية واضحا فقد وقع المجلس الاردني للأبنية الخضراء ومشروع الوكالة الأمريكية للإنماء الدولي اتفاقية منحة تنفيذ برنامج يهدف الى رفع كفاءة استخدام الطاقة من خلال تشجيع مالكي ومطوري الأبنية الجديدة على إدخال تطبيقات عملية وأساسية عند التصميم والتنفيذ. أما الخطوة الأقوى في تطوير هذا المفهوم كانت في نهاية عام 2013 حيث انضم المجلس الأعلى للابنية الخضراء إلى التحالف العالمي الجديد للمدارس الخضراء، ليصبح عضوا مؤسسا في الائتلاف، والتي تعمل على توجيه المدارس والمجتمعات المحلية إلى تغيير جذري في طريقة تربية الطلاب على المفاهيم والمبادئ الخضراء.
كما قام هذا المجلس بالتنسيق مع وزارة التربية و التعليم الاردنية بعقد دورات تثقيفية و توعوية حول مفهوم المدارس الخضراء .ربما تعتبر خطوات الأردن نحو تطوير بيئي ملحوظ بطيئة و منهكة , و لو تحدثنا بشكل خاص عن مفهوم ” المبنى الأخضر ” فإن الأمر قد يزداد صعوبة و تحديات , لكن بما ان هناك جمعيات و مؤسسات و أفراد يسعون لتطوير الوضع البيئي فهناك نافذة جديدة سوف تفتح للأجيال القادمة تطل على مستقبل أردني جديد مخضرّ .