شهد العقد الماضي انتقالاً ملموسا للبلدان العربية نحو الاقتصاد الأخضر. فمن الصفر تقريباً في اعتماد انظمة اقتصاد أخضر أو استراتيجية مستدامة، أصبح هناك أكثر من سبعة بلدان وضعت استراتيجيات من هذا القبيل أو أدرجت عناصر الاقتصاد الأخضر والاستدامة في خططها. وقد ترجمت الاستراتيجيات الخضراء في مجموعة من التدابير التنظيمية والحوافز التي أدخلت في هذه البلدان لتسهيل التحول. وأعطى ذلك إشارة قوية للقطاع الخاص لزيادة الاستثمارات في قطاعات الاقتصاد الأخضر أضعافاً، وخاصة الطاقة المتجددة، وهو أمر واضح في المغرب والأردن والإمارات، حيث تم استثمار البلايين في مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وينفذ المغرب خطة لتوليد أكثر من نصف كهربائه من الموارد المتجددة بحلول سنة 2030.
أدى هذا التحول إلى زيادة الوعي والاعتراف بالمكاسب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الحقيقية الناجمة عن الانتقال إلى اقتصاد أخضر ومستدام. وينعكس ذلك في زيادة فرص العمل التي تخلقها الاستثمارات الخضراء، والكفاءة في استخدام الموارد الطبيعية والقدرة التنافسية والوصول إلى الأسواق. ويمكن تنويع الاقتصاد وتنشيطه من خلال خلق أنشطة وفرص جديدة مثل: الطاقة المتجددة، مصادر المياه المتجددة الجديدة من خلال معالجة مياه الصرف وإعادة استخدام المياه المعالجة وتحلية المياه، الزراعة المستدامة والعضوية، المنتجات الصناعية الخضراء، المجتمعات المستدامة، المباني الخضراء، نظام النقل العام الأخضر، السياحة البيئية، جنباً إلى جنب مع النظم المتكاملة لإدارة النفايات الصلبة التي يمكنها توليد الطاقة وإنتاج السماد العضوي وإعادة استخدام المواد.
وقد أدرجت مصر والمغرب وقطر والإمارات بالفعل قوانين المباني الخضراء في مجتمعات حضرية وساحلية جديدة، مثل مدينة جلالة ومدينة العلمين الجديدة في مصر ومدينة مصدر في أبوظبي ومدينة محمد السادس الخضراء في المغرب. وقد اعتمدت بعض استراتيجيات السياسة العامة، مثل رؤية السعودية 2030، نوعاً من المحاسبة للرأسمال الطبيعي، بوضع قيمة سارية للموارد الطبيعية. وتعطي رؤية السعودية 2030 مثالاً على تحول جذري، مقارنة بالمحاولات السابقة الأقل جرأة للإصلاح. وأدت الإجراءات المالية التي اتخذتها المصارف المركزية في لبنان والإمارات والأردن إلى زيادة حادة في عدد وقيمة القروض التجارية التي تقدمها المصارف للمشاريع الصديقة للبيئة. وهي تشمل المشاريع الكبيرة التي ينفذها القطاع الخاص، بالإضافة إلى المنشآت المنزلية التي تعزز الكفاءة، ولا سيما في مجال الطاقة الشمسية والمتجددة بشكل عام. واطلق الأردن سنة 2017 سلسلة مشاريع تعتمد الاقتصاد الأخضر.
وقد أعطى اعتماد أهداف التنمية المستدامة عام 2015 زخماً جديداً للبلدان في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المنطقة العربية، لتكثيف الجهود الرامية إلى وضع استراتيجيات وسياسات مستدامة وخضراء لتحقيق هذه الأهداف.
وفي حين ازداد حجم الموارد المالية الموجهة لتمويل الاستثمارات الخضراء في المنطقة العربية، لكنه بقي أقل من المطلوب. لكن من المتوقع أن توجه حصة متزايدة من إجمالي الاستثمارات إلى مشاريع التنمية الخضراء والمستدامة في السنوات المقبلة. وأحد المؤشرات على الاتجاه الجديد هو أن تمويل عمليات التنمية، خاصة للبنى التحتية، من المؤسسات الإنمائية الوطنية والإقليمية العربية خلال الفترة 2006-2016 بلغ 51 بليون دولار أميركي، أي نحو 57 في المئة من إجمالي التمويل التراكمي (90 بليون دولار أميركي) على مدى فترة الأربعين سنة منذ عام 1975.
ومع ذلك، فهناك حاجة إلى ما يتجاوز هذا بكثير، إذ يتعيّن على الدول العربية تخصيص مبلغ إضافي لا يقل عن 57 بليون دولار سنوياً من مصادر محلية وخارجية لدعم تنفيذ أهداف التنمية المستدامة. ولا يتوفر الآن سوى جزء صغير من هذا المبلغ.
Pingback: هل ستستطيع تونس الإيفاء بمساهماتها لخفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة | EcoMENA