مع انطلاق كلمة “البيئة” ككلمة رنانة على مستوى جميع الصناعات والقطاعات، فان اتساع مجال التحول الأخضر في قطاع الأعمال وتطوير مهارات العاملين فيه أصبح ذا أهمية على مستوى العالم، والشرق الاوسط ليس بمنأى عن هذا التطور.
إن المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تعمل في قطاع التصميم البيئي ، العمارة الخضراء، الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة، والاستدامة بشكل عام كلها تعمل على توجيه الدفة نحو نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر في شتى القطاعات. إن قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في المجال البيئي في الشرق الأوسط ينمو بشكل مطرد وإن كان بسرعة أقل من المتوقع.
الإطار التنظيمي
ان من أكبر العقبات في وجه تطور قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في المجالات الخضراء هو ضعف الأنظمة والقوانين المنظمة لهذا القطاع. ووفقا لربى الزعبي، الخبيرة في مجال الاستدامة البيئية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ” إن المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم هي التي يجب ان تقود التحول نحو الاقتصاد الأخضر في منطقة الشرق الأوسط. ويعد عدم توفر السياسات والممكنات التي توجه هذا القطاع أحد معيقات نمو وتنافسية هذه المؤسسات”.
إن القوانين التي تحكم السوق وقطاع الأعمال تشكل عائقا كبيرا أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في قطاع الطاقة المتجددة والبيئة والاستدامة. فعلى سبيل المثال فالشركات الحكومية في دول الخليج العربي تتمتع باحتكار شبه كامل فيما يتعلق بشبكات الصناعات التي لها تأثيرات بيئية كبيرة (مثل الكهرباء والطاقة) او تسيطر على خدمات بيئية استراتيجية (مثل إدارة المياه والمخلفات).
إعادة الهيكلة
إن إعادة هيكلة قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الشرق الأوسط مهم جدا للسماح لتلك المؤسسات بالنمو والتطور وبالتالي لتحفيز انتقال المنطقة إلى اقتصاد أخضر. توفر المؤسسات الصغيرة والمتوسطة النسبة الأكبر من الوحدات الانتاجية والوظائف في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط، فعلى سبيل المثال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مسؤولة عن حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي في دولة الإمارات العربية المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أهمية مشاركة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في عملية التحول ألى اقتصاد منخفض الانبعاثات مما يمهد الطريق نحو قطاع أعمال أكثر استدامة ونحو تطوير المهارات في مجال البيئة ضمن شتى القطاعات.
إن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم تحتاج الى دعم حكومي قوي والذي نفتقده للأسف في العديد من من دول الخليج العربي، وكما توضح ربى الزعبي “على الرغم من الفرصة الهائلة المتاحة للنمو في الشرق الأوسط والتي تعززها عدة عوامل اهمها التغير المناخي، شح المياه، الاعتماد على النفط إضافة إلى البصمة البيئية،إلا أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاعات الخضراء مهددة بالتحديات المتعددة وبالمنافسة المتزايدة”.
تحديات ملحة
تواجه منطقة الشرق الأوسط تحديات عدة فيما يخص نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة العاملة في القطاعات البيئية، كما توضح ربى الزعبي “إن التحديات الاكثر إلحاحا هي: 1) الفجوة ما بين التعليم ومتطلبات سوق العمل، 2) التشتت في توجيه البحوث والتطوير نحو أولويات الصناعة. يتحتم على المؤسسات الحكومية، وجمعيات الأعمال والمنظمات غير الحكومية لعب دور أكبر لحشد التأييد ومواءمة أولويات النمو الأخضر في شتى القطاعات.”
تواجه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في القطاعات الخضراء معوقات كبيرة لدخول السوق على الرغم من دورها المهم في تطوير تكنولوجيا ملائمة للاحتياجات المحلية وفي تأسيس نماذج أعمال صديقة للبيئة.
مبادرات واعدة
اتخذت أبو ظبي خطوة كبيرة لتجميع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة الخضراء عن طريق انشاء مدينة “مصدر” الحرة. كتجمع للأعمال، توفر مصدر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وكذلك للشركات الناشئة بيئة تلهم الابتكار، وتقدم فرصا لتطوير الأعمال، كما انها تعد مختبرا حيا وحاضنة اختبار للتكنولوجيا الحديثة. على الرغم من ذلك، فان ارتفاع إيجارات المكاتب يعد عائقا أمام المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ذات الإمكانيات المحدودة. وكما أوضحت مستشارة التنمية المستدامة، سندانا سواين، والتي تعمل في دبي “إن ارتفاع إيجارت المكاتب في منطقة مصدر الحرة كان أحد الأسباب التي دفعت الشركات الصغيرة للابتعاد عن إنشاء أعمالها في تجمع الأعمال هذا”.
في عام 2007 قامت قطر ايضا بإطلاق مبادرة واعدة للترويج للأعمال الخضراء ودعمها وذلك بإنشاء واحة قطر للعلوم والتكنولوجيا والتي تركز على مجالات الطاقة، والبيئة، وعلوم الصحة، وتكنولوجيا الاتصال والمعلومات. في بداياتها ركزت المؤسسة على تأسيس البنية التحتية وجذب شركات كبيرة، وفي المرحلة الثانية تنوي الواحة استهداف المؤسسات الصغيرة ومتوسطة الحجم وتزويدها بالدعم في الجوانب القانونية والتمويل والإرشاد وتخطيط الأعمال.
التوجهات المستقبلية
هناك حاجة ملحة للتداخلات العاجلة على مستوى السياسات لدعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم العاملة في القطاعات الخضراء في الشرق الأوسط لمساعدتها على تجاوز المعوقات المختلفة من خلال: تبادل الخبرات والمعرفة، رفع مستوى الوعي البيئي، تحسين الدعم المالي، دعم بناء وتطوير المهارات، تحسين الوصول إلى الأسواق، وفرض الضرائب البيئية.
في العقود الماضية، شهد قطاع الريادة في منطقة الشرق الأوسط تسارعا ملحوظا، مما يستوجب توجيه الريادة نحو معالجة قضايا المياه، والبيئة، و إدارة المخلفات بحيث تساهم في تحويل التحديات البيئية الى فرص اقتصادية.
ترجمة: فرح الشيشاني
تعمل فرح في مجال تقديم الاستشارات في الاعمال واستحداث المحتوى الرقمي بما يشمل الترجمة. يسبق ذلك عملها على مدى ست سنوات في مجال تطوير الأعمال وإدارة المشاريع في قطاعات عدة منها التصميم والانشاءات والطيران. تقوم حاليا بتقديم استشارات خاصة للمؤسسات والشركات الناشئة فيما يختص بالنواحي الرقمية وبناء استراتيجية اتصال الى جانب تطوير المحتوى والهوية المؤسسية.
Pingback: الابتكار من أجل التنمية المستدامة.. مسؤولية الجميع | EcoMENA