أثار الركود المالي العالمي نقاشا جادا بين العديد من البلدان حول الكشف عن أسباب الفشل وابتكار حلول معقولة. لقد بات البحث عن نمو اقتصادي “تحولي” أمرا مألوفا جدا في الوقت الحاضر، حيث الطاقة النظيفة والاستثمارات الخضراء تتصدران الواجهة كحل لمستقبل أفضل. وفي البلدان التي توجد في قلب التغيير بالعالم العربي، جلب “الربيع” الشهير نكهة مختلفة إلى التغيير والإصلاح المنشودين. ففي الأردن، يشكل الاهتمام بقضية الاستدامة (سواء بيئية أو اجتماعية) حاجة وأيضا خيارا استراتيجيا. ولأن الموارد الطبيعية محدودة جدا والطلب متزايد، فإن استجابة الدولة لاحتياجات المواطنين والبيئة ليست مجرد التزام سياسي، بل علامة فارقة لم تستغل بعد من شأنها أن تجعل الأردن منصة إقليمية للتنمية الموجهة بالمجتمعات المحلية وللاستثمارات المستدامة.
لذا، لا ينبغي أن نبقى حبيسي حجة “البيئة مقابل الاستثمار”، فكلاهما يلتقيان لدعم أهداف التنمية، وخاصة في بيئة هشة مثل التي تتوفر في بلدنا. لقد أدت أزمة الطاقة الكبرى التي أصابت مؤخرا الشعب الأردني إلى حدوث نقلة نوعية في التصور والممارسة. فلم يحصل أن كنا أكثر وعيا بتكلفة الطاقة والقيود الصعبة المفروضة على الميزانية مثلما نحن عليه اليوم. كنت أتمنى لو أستطيع قول الشيء نفسه بالنسبة للمياه، وهي حقيقة أخرى مقبلة علينا بالكاد نحن مستعدين لمواجهتها في الأردن.
تعلمنا الدرس بالطريقة الصعبة، فقد أدرك الأردن بأن التنمية المستدامة والروابط الفعالة بين الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية لا يمكن بلوغها بدون استهداف قطاعات التنمية وادراج الاستدامة ضمن الخطط والعمليات للقطاعات المختلفة. ذلك أن اعتماد النهج الأخضر لوحده في صنع القرار لم يعد قابلا للتطبيق، لأنه يختزل البيئة ويضعها بعيدا عن السياسات والإصلاحات التنموية الأخرى.
لقد فرضت مطالب الإصلاح الذي يضمن المنافع طويلة الأمد للمجتمعات المحلية اعتماد نهج التنمية المتكاملة. بات الأردنيون بحاجة إلى أن يكونوا على وعي بما يجري وبأن يتمركزوا في قلب عملية صنع القرار. وبينما يدعون لتوفير مزيد من فرص العمل والرعاية الاجتماعية؛ أصبح الاردنيون أكثر وعيا بالضغوط التي تتعرض لها الموارد الطبيعية للبلاد بسبب النمو الاقتصادي. إن على بيئة الأعمال والمناخ الاستثماري أن يقدما قيمة مضافة للاقتصاد، فالأراضي والمياه والطاقة والبنية التحتية والحوكمة الرشيدة هي جميعها مدخلات في عملية التنمية، وبالتالي، إذا كان الأردن سيدخل غمار المنافسة في السوق، يتعين علينا أن نجد الوصفة الصحيحة.
وفي حين أصبح الأردن عارفا بموارده غير المستغلة، وجه اهتمامه إلى قطاعات جديدة للاستثمار في الطاقة النظيفة والخضراء لتعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل الخضراء والحفاظ على الموارد الطبيعية. وباعتباره أول دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا (مينا) تجري دراسة وطنية استكشافية لتقييم نطاق الاقتصاد الأخضر، حدد الأردن عدة فرص لإطلاق القطاعات الخضراء، بما في ذلك الطاقة المتجددة وكفاءة استخدام الطاقة والمياه وإدارة المياه العادمة والنفايات الصلبة،والمباني الخضراء والسياحة البيئية والنقل إلخ. ومع ذلك، لا يزال ادراج إمكانيات الاقتصاد الأخضر في تلك القطاعات محدودا.
لقد بلغت تكلفة الطاقة المستوردة ما يقارب 20٪ من الناتج المحلي الإجمالي عام 2006. وبلغ إجمالي الطاقة المستوردة 96٪ من إجمالي احتياجات الأردن من الطاقة. ويقدر حجم الاستثمار المطلوب في قطاع الطاقة المتجددة بحلول عام 2020 حوالي 2.1 مليار دولار، وفي قطاع كفاءة وحفظ الطاقة بنحو 152 مليون دولار.
ويأمل الأردن بتوليد ما يقرب من 1200 ميغاواط من الكهرباء من مشاريع طاقة الرياح و600 ميجاوات أخرى من الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى 50 ميغاواط من قطاع النفايات لاستثمارها في مشاريع الطاقة بحلول عام 2020. ومن الضروري إنجاز هذه المشاريع لإنتاج 10٪ من الطاقة المتجددة من خليط الطاقة الكلي.
إن إنجازا كبيرا تحقق مؤخرا مع توقيع أولى الاتفاقيات ما بين الحكومة ومطوري ومستثمري الطاقة المتجددة لبدء أولى مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والتي جاءت محصلة لصدور الإطار التشريعي والتنظيمي الشامل للطاقة المتجددة مؤخرا.
ومن المتوقع أن تسهم هذه الاستثمارات في تحقيق أهداف لأمن الطاقة، وايجاد وظائف خضراء للأردنيين، وتخفيف العبء عن ميزانية الحكومة ووضع الأردن على خريطة الطاقة النظيفة. بيد أن الأردن يحتاج لسياسة استباقية مبادرة لمتابعة وتطوير العناصر الأخرى من سلسلة القيمة، خاصة التعليم والابتكار والتكنولوجيا والتدريب وريادة الأعمال.
وفي وجود أكثر من 70٪ من السكان في المملكة تحت سن الثلاثين، لا شك أن الاستثمار الأكبر بالنسبة للأردن يتعين أن يكون في طاقاته البشرية. إن إدماج احتياجات السوق المتعلقة بالاقتصاد ا الاخضر ضمن أنظمة التعليم والتدريب المهني سيعزز القدرة التنافسية للقطاعات والعناقيد الخضراء وسيضمن استدامة المنافع الاجتماعية والاقتصادية.
إن بناء إطار تنظيمي فعال وحاكمية رشيدة اضافة الى جمع جهود القطاعين العام والخاص ومنظمات المجتمع المدني، سيمكّن الأردن من خلق قدرته التنافسية في عالم الاقتصاد الأخضر بينما يواصل سعيه لتلبية طموحات شعبه في التنمية.
ترجمة: نادية بنسلام– صحفية ومترجمة مهتمة بشؤون البيئة – المغرب
منسقة شبكة الصحفيين الأفارقة المختصين بقضايا التصحر والجفاف وتدهور الاراضي –REJALDD–
للتواصل عبر nadiabensellam07@gmail.com
Pingback: الاقتصاد الاخضر في الاردن – خيار استراتيجي وحاجة ملحة | Ruba A. Al-Zu'bi Jordan Eisenhower Fellow 2012