في الماضي القريب، كانت عمان تعتبر واحدة من أنظف المدن في العالم, حالياً، وكما هو الحال في البلدان الأخرى، يشكل رمي النفايات على الأرض في المناطق العامة مشكلة بيئية متزايدة في الأردن, والتي بدورها تشوه المظهر العام للبلاد كما أن لها آثاراً خطيرة على البيئة والإقتصاد والصحة العامة.
“القمامة غير المرئية“
تعتبر ظاهرة الرمي العشوائي للنفايات كارثة وطنية، حيث تنتشر النفايات المختلفة مثل العلب المعدنية والأكياس البلاستيكية وأعقاب السجائر والمحارم وأغلفة الطعام والإطارات القديمة على جوانب الطرق. لتسليط الضوء على المشكلة, قامت كاتبة المقال بدراسة ماسحة في عام 2011، حيث كشفت الدراسة عن المفاهيم الخاطئة لدى العامة لمفهوم “النظافة” في الأماكن العامة مثل شارع الوكالات، حيث أنه بناءً على ردود عينة عشوائية من المارة وبالرغم من تراكم كميات القمامة على جوانب الطريق والتي تملأ أحواض النباتات، إلا أنه تم التغاضي عنها ووصفت المنطقة ” بالنظيفة “
أسباب المشكلة وجذورها
لقد أدى تغيير الأنماط السكانية خلال السنوات القليلة الماضية إلى تغيير جذري في كافة أشكال الأنشطة البشرية، والذي بدوره أدى إلى إنتاج كميات متزايدة من النفايات. إن الطبيعة المؤسسية للبلديات، وإنعدام البنية التحتية لإدارة النفايات، وزيادة معدل الفقر، وتدفق اللاجئين، والأهم من ذلك،التغيرات السلوكية لدى المواطنين بسبب قلة الوعي, أسباب أسهمت جميعها في تفاقم مشكلة رمي النفايات. وكما كشفت الدراسة المذكورة سابقاً عن سبب آخر للمشكلة ألا وهو التعريف الخاطئ لـمفهوم “النظافة” في الأماكن العامة .كما أدت الفجوة بين الجوانب النظرية والعملية للمعرفة البيئية إلى عدم ربط الأردنين بين المشاكل البيئية وبين كيفية تأثيرها المباشرعلى حياتهم اليومية، وبالتالي فإنه من غير المرجح أن تكون سلوكياتهم صحيحة بيئياً.
التصورات الإجتماعية لإلقاء القمامة
ينظر الأردنيون إلى رمي النفايات من ناحية أخلاقية وثقافية، حيث يعتبر رمي النفايات دليلاً على الجهل والإهمال وعدم التحضر وعلى أنه حرام في الإسلام .
الحلول العملية المقترحة للقضاء على الظاهرة
هنالك جهود تطوعية جبارة من قبل الأفراد ومنظمات المجتمع المدني تعمل على تنظيم العديد من حملات النظافة وتثقيف المجتمع بهذا الخصوص. يمثل التشجيع على تغيير السلوكيات السلبية تحدياً كبيراً بسبب القضايا الإجتماعية والإقتصادية الملحة مثل الفقر والبطالة. تعتبر المشاركة الشعبية حجر الأساس لحماية الطبيعة, لذلك، فإنه ينبغي لجهود حماية البيئة أن تشتمل على دعم ومشاركة المواطنين والباحثين والبلديات وقطاع الصناعة وغيرها من القطاعات, وذلك لإعطاء حلول عملية للسيطرة على المشكلة. من المهم أن تكون تلك الحلول متناغمة مع خلفيتنا الثقافية وأن تكون مشتقة من تراثنا العريق كما يجب دمجها مع العلم الحديث. وفيما يلي عدد من الحلول العملية المقترحة للمساهمة في الحد من المشكلة:
1. خدمات البنية التحتية في البلديات لإدارة النفايات
لم تكن البنية التحتية لإدارة النفايات في البلديات قادرة على مواكبة الإنفجار السكاني وتدفق اللاجئين, إن وجود بنية تحتية للتخلص المستدام للنفايات ومحطات إعادة التدويرهي شروط أساسية لحل الواقع المرير للمشكلة.
2. الوعي العام والمشاركة الشعبية
لحسن الحظ، فإن وعي الأردنين للقضية آخذ في الإزدياد، لكن للأسف، فإن الإحباط يتسلل لهمة المتطوعين نتيجة ذهاب نتائج عملهم الشاق هباءً منثوراً تحت طبقة جديدة من القمامة الملقاة في الأماكن العامة. وبالتالي، فإنه ينبغي تبني برنامجاً متكاملاً لتغيير السلوك البيئي لدى المواطنين وعلى المستوى الوطني. بالرغم من إدراج الموضوعات البيئية في المناهج الدراسية وتبني وسائل الإعلام للقضية، إلا أنه يوجد فجوة بين الجوانب النظرية والعملية للموضوع,لذلك، يجب أن يتم ربط المحافظة على البيئة في الحياة اليومية، ويجب ترسيخ مفهوم “النظافة” الصحيح لدى العامة كما هو متجذر في الثقافة العربية الإسلامية, كما ينبغي إعتماد المزيد من البرامج البيئية في المدارس، فمثلاَ, يضرب برنامج المدارس البيئية والتي تتبناه JREDS مثالاً يحتذى به, يجب أن يمتد تطبيق هذه البرامج إلى الجامعات، عن طريق إدارج مساق “خدمة المجتمع” كمتطلب إجباري لتخرج الطلبة على أن يشمل هذا المتطلب حملات نظافة للأماكن العامة. ولا يغفل المرء عن الدور الفعال والقيادي الذي يمكن للمساجد أن تقوم به لحل المشكلة.
3. الملكية
يولي الأردنيون عناية كبيرة بكل ما يشعرون أنه ملك لهم, لذلك ينبغي ترسيخ مفهوم ملكية المواطن الأردني للأماكن العامة وأنه ليس ملكاً للحكومة فقط, كما ينبغي أن تعرض فكرة الوطنية والولاء للوطن كمسؤولية المواطن عن البلاد وبيئتها.
4.سن وتفعيل القوانين والتشريعات
في عام 2012، أطلقت أمانة عمان الكبرى حملة ما زالت مستمرة حتى يومنا هذا تهدف إلى الحد من سلوكيات رمي النفايات, وذلك عن طريق فرض غرامات قد تبلغ 20 ديناراً لمخافلة رمي النفايات، ولقد أظهرت الإحصاءات إنخفاضاً ملموساً في عدد الإنتهاكات بنسبة 13% خلال عام واحد فقط (2014-2015)، مما يؤكد على أهمية تنفيذ التشريعات وتفعيلها لإنهاء المشكلة. وبما أن رمي النفايات أرضاً هو سلوك غير قانوني في الأردن، فهنالك حاجة إلى حملة تنشر القوانين التي تحظر رمي القمامة، كما يجب إعتماد نظام المكافئات لمن يقوم بالتنظيف.
5. بنك مجتمعي لإعادة تدوير
يعتبر تعزيز المشاركة المجتمعية في حل المشاكل البيئية أمر ضروري للتأثير على سلوكيات الأفراد نحو الهدف المنشود.يمكن لمبادرات إعادة التدوير الإستمرارعند تفعيل دور أفراد المجتمع المحلي، كما ينبغي أن تستخدم هذه المشاريع لإدرار الدخل للأسر المشاركة في المبادارات، حيث يكون البدء بفصل المواد القابلة للتدويرعلى مستوى الأسرة، ومن ثم تخزينها في بنك إعادة التدوير المحلي ليتم بيعها لاحقاً لتجار الخردة، وهكذا ستساهم هذه المبادرة في القضاء على النفايات عن طريق تحويلها من عبئ إلى مصدر دخل.
6. مسؤولية أصحاب الأعمال والمصانع
يجب أن تلعب الأعمال التجارية والتي بطبيعتها تولد القمامة بشكل كبير مثل مطاعم الوجبات السريعة دوراً فعالاً في الحد من المشكلة، حيث تحتم عليهم مسؤوليتهم الإجتماعية وإلتزامهم نحو زبائنهم تشجيع التخلص السليم من النفايات المتخلفة عن منتجاتهم من خلال حملات نظافة وتثقيف وحوافز مختلفة. كما ينبغي على المسؤولين إلزام أصحاب العقارات وأصحاب المصانع بالحفاظ على أرضهم خالية من مخلفات البناء والنفايات الصناعية للحفاظ على المظهر العام .
7. إستصلاح النفايات غير الرسمي
إستصلاح النفايات هو جمع وإعادة إستخدام أو بيع النفايات التي كانت ستؤول إلى مكبات النفايات البلدية. إن إنشاء نماذجاً للأعمال والتي تنظم وتتعاون مع تجار الخردة ومستصلحي النفايات، سيساعد بدوره في حل مشكلة النفايات وتوسيع فرص العمل الأردنية.
كلمة أخيرة
في النهاية, يجدر القول أننا في أمس الحاجة للتقنيات المستمدة من تراثنا والمتوافقة مع حضارتنا وهويتنا ومناخ بلادنا ومع معتقداتنا الإسلامية والتي تنص على الحفاظ على علاقة متوازنة مع الطبيعة, وذلك لحل مشاكلنا البيئية وتحقيق المكانة التي نطمح إليها إقليمياً وعالمياً.
المراجع العربية
نوره عبود
Pingback: جودة الهواء في الأردن – المخاوف الرئيسية | EcoMENA