تمثل المدن أرقى أشكال الحضارة الإنسانية التي طورت لتحقيق غاية أساسية هي تطوير الكفاءة الاقتصادية، إلا أنه وفي خِضَم التنافس الاقتصادي الشرس، خسرت المدن الكثير من العدالة وأضاعت بصمتها البيئية.
بحلول عام 2050، من المتوقع أن يعيش 70% من سكان العالم في المدن التي ستكون وحدها مسؤولة عن ثلاثة أرباع إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة في العالم، مما يعني أن بذل الجهود الواعية لتبني تدابير فعالة من شأنها أن تساعدنا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة قد أصبح ضرورة ملحة نحتاجها ليس فقط من الحكومات و لكن أيضا من قبل مؤسسات القطاع الخاص والمنظمات غير الربحية والمجتمعات المحلية.
مستقبل المدن
على الصعيد العالمي ; تعهدت 70 مدينة حول العالم بالعمل لتغدو مدنا متعادلة الكربون بحلول عام 2050، عمان العاصمة الأردنية تعد أحد الأمثلة الواعدة على ذلك، حيث التزمت المدينة بالوصول إلى صافي صفر من الانبعاثات الكربونية، وبناء القدرات، وتحقيق المنعة.
والحقيقة أن المدن التي ستحقق نجاحا في عذا المضمار هي فقط تلك المدن التي أدرجت مسبقًا مصادر الطاقة المتجددة في بنيتها التحتية الخاصة بالنقل والكهرباء، والتي تمتلك نظامًا متكاملًا لإدارة النفايات مع توجه حقيقي وفعال نحو إعادة التدوير.
الخيار الآخر للمدن هو استهداف خفض انبعاثات الكربون، حيث تسعى البلدان المختلفة إلى مستويات مختلفة من التخفيض. فقد تعهدت الدار البيضاء وبعض المدن التركية بخفض انبعاثاتها. أما مدينة دبي، فقد طبقت إجراءات لجعل شبكات التنقل الخاصة بها أكثر كفاءة في استخدام الطاقة، وأدرجت مصادر الطاقة المتجددة في المباني، وأدخلت تعديلات صديقة للبيئة في المباني القائمة بهدف ترشيد استخدام المياه والكهرباء وبالتالي خفض التكاليف المتعلقة بالمرافق.
ما الذي يعيق المدن في هذا المجال؟
- الحوافز: يعد التناغم الممكن تحقيقه بين أمن الطاقة وكفاءة الطاقة من خلال استخدام الطاقة المتجددة ميزة إضافية كما هو الحال في دبي.
- التحدي الأكبر للمدن المنتجة للنفط في الشرق الأوسط هو تنويع مصادر الطاقة وتقليل بصمتها الكربونية الكبيرة جدًا.
- أما في الدول غير المنتجة للنفط مثل الأردن – التي تعتمد في طاقتها على الدول المجاورة بنسبة تزيد عن 96% – فيجب أن تركز على تأمين مصادر طاقة محلية لتقليل عبء الاستيراد.
من الأهمية بمكان – خاصة في المدن التي تواجه تحديات مالية – أن يتم التركيز وبشكل استراتيجي على تنفيذ التدابير التي يمكن أن تنتج فوائد متعددة بدلاً من منفعة واحدة.
- التمويل: باعتبار التنمية الاقتصادية هي الأولوية في المدن المختلفة، يُنظر إلى الاستثمارات المطلوبة لجعل المدن أكثر استدامة على أنها تكاليف عامة إضافية. فعلى سبيل المثال، يتضمن التوجه نحو المسار الخالي من الكربون، دمجا أفضل لتصاميم الحضرية مع التقنيات الرقمية المتقدمة.
في الوضع الحالي، يعتبر قطاع الطاقة المتجددة من القطاعات التي تتفاعل مع القطاع الخاص بشكل كبير، مما يوفر فرصًا لتوسيع نطاق التمويل والاستثمار.
وفقًا لتقرير صادر عن اليونسكو، فإنه ومنذ العام 2010:
– انخفضت تكاليف تركيب الخلايا الكهروضوئية (الشمسية* بنسبة 70٪.
– انخفضت تكاليف طاقة الرياح بنسبة 25٪.
– انخفضت تكلفة البطاريات الكهروضوئية بنسبة 40٪.
هناك العديد من التحديات التقنية المتعلقة بإزالة الانبعاثات الكربونية من البنية التحتية الحالية، مثل تغيير شبكات النقل وإدخال التعديلات على المباني والمرافق الحضرية القائمة، ومع ذلك، يمكن للمنح الخاصة والتمويل العام والتزام الشركات الكبرى بتعهدات على المدى الطويل أن تساعد في دفع عجلة هذه العملية نحو الأمام.
بطريقة ما يمكننا القول إن المدن الأكثر فقرًا لم تتمتع بمنافع التطور الحضري، حيث تختلف حوافزها للتحول نحو الممارسات المستدامة عن المدن الغنية، التي تأمل في تقليل تأثيرها البيئي مع الحفاظ على ازدهارها الاقتصادي في نفس الوقت.
الخلاصة
يمكن للمدن في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن تتجه نحو الاستدامة عند قيامها بتعزيز لمشاركة أصحاب المصلحة، بحيث يشارك الجميع بدءا من القاعدة المجتمعية في عملية صنع القرار بدلاً من اتباع نهج من “أعلى إلى أسفل” حيث يفرض المخططون والخبراء التغييرات اللازمة.
تتمتع المؤسسات الدينية بتأثير اقتصادي كبير ويمكن أن تكون لاعبًا رئيسيًا في التحول نحو الاستدامة. في عمان مثلأً، أدى توجه المساجد – بدعم من وزارة الأوقاف – لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة إلى المساهمة في خفض الانبعاثات وإلى بيع فائض الكهرباء المولدة للشبكة الوطنية.
وفقًا لكريم الجندي، مؤسس شركة كربون، لا تزال الاستدامة هي حديث النخب داخل الغرف المغلقة، لذا، لابد من بذل مزيد من الجهود من خلال المنظمات الشبابية، والنشطاء البيئيين، والسفراء، والمنظمات غير الحكومية، والقطاع الخاص؛ لخلق المزيد من الوعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
ولا شك أن التعاون الفعال بين كافة القطاعات يمكن أن يساهم في تطبيق إجراءات أكثر فعالية على المدى الطويل تتم ترجمتها إلى فرص عمل واعدة.
ترجمه: Dina Dyab
مهندسة معمارية طموحة تسعى لاستكشاف دور المعماريين في مجال العمل الإنساني.
تخرجت من قسم هندسة العمارة في الجامعة الأردنية عام ٢٠١٩، وهي عضو في منظمة مهندسي الطاقة ومتطوعة سابقة في الفرع الطلابي للمنظمة في الجامعة الأردنية. كما عملت حتى فترة قريبة كمتطوعة ومنسقة للمشاريع في المجلس الأردني للأبنية الخضراء.
Note: This article was originally published in English by egomonk on egomonk insights. The curator and host of this series is Ruba Al Zu’bi
Pingback: التنمية الحضرية حوار مفتوح | Amaretna
Pingback: دور مؤسسات التمويل الدولية في الاقتصاد الأخضر
Pingback: دور الشركات الناشئة في التعافي المستدام في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا | EcoMENA