بما أن 70% من جسم الإنسان عبارة عن ماء وأن كل انسان بالغ يحتاج الى لترين من الماء على الأقل يومياً، فإن مياه الشرب الصحية تشكل أهم عوامل الصحة العامة. ومن يشرب مياه ملوثة تتراكم السموم في في جسمه يومياً، وهو ما نسميه بالتسمم التراكمي الذي يؤدي الى أمراض عَصيّة.
إن تلوث مياه الشرب بالميكروبات، وبدرجة أقل بالكيماويات، شائعاً في المجتمعات الفقيرة حيث لا توجد تنقية فاعلة للمياه. أما في الدول الغنية فقد تكون هناك ملوثات غير مدرجة في قائمة القياسات المخبرية وقد تكون أكثر ضرراً على صحة الإنسان. إن المياه المعبأة شائعة جداً باعتبارها مياه صحية، بل يسمونها أحياناً “مياه الصحة”، فهل هي صحية فعلاً؟
إن جزيئات الميكروبلاستيك لايمكن رؤيتها بالعين المجردة، بل ان الباحثون يستخدمون مادة تلوين مع الأشعة تحت الحمراء لرؤيتها تحت المجهر. بعضها يدخل جدار الإمعاء الدقيقة والبعض الآخر يدخل الأنسجة الداخلية للإمعاء ويمر خلال الجهاز اللمفاوي. هناك جزيئات صغيرة جداً (20 ميكرون) تدخل مجرى الدم مباشرة لتصل الى الكبد والكليتين. أما الجزيئات الكبيرة (110 ميكرون) فيمكنها الدخول عبر الأوردة الكبيرة مثل الوريد البابي الذي ينقل الدم الى الكبد. وعليه فإن مثل هذه الجزيئات يعتبرها الجسم أجساماً غريبة ويستميت في التخلص منها. بل ان جزيئات الميكروبلاستيك تعمل كالإسفنجة فتمتص الكيماويات وتنشرها.
هل وُجد الميكروبلاستيك في مياه الشرب ؟
نعم، فقد أعلنت وكالة الأنباء الكندية أن جزيئات الميكروبلاستيك وجدت في 60% من زجاجات المياه المعبأة التي تمت دراستها حديثاً. وفي دراسة بجامعة ولاية نيويورك لأغلب أنواع المياه المعبأة الشائعة في أمريكا وجدت في المتوسط 325 قطعة من جزيئات الميكروبلاستيك في كل لتر، يصل بعضها 100 ميكرون. وخلاصة الدراسة أن 93% من زجاجات المياه التي تمت دراستها تحتوي على جزيئات الميكروبلاستيك، واحتوى بعضها على 10,390 قطعة ميكروبلاستيك في اللتر الواحد.
هذا النوع من تلوث مياه الشرب يعتبر حديثاً، وان هيئة الصحة العالمية ما زالت تدرس مخاطره على صحة الإنسان لتحديد المعدل الآمن لوجودها في مياه الشرب. حتى في أمريكا وكندا وأروبا لا توجد حالياً حدود قصوى للميكروبلاستيك في مياه الشرب.
من أين ياتي الميكروبلاستيك ؟
انه متوفر في البحار والمحيطات ومكبات النفايات وقد يصل لمياه الشرب عن طريق مصدر المياه أو عن طريق الهواء أو من مراحل التعبئة. وقد يدخل أجسامنا عن طريق الغذاء، خاصة الأغذية البحرية.
إن البحار والمحيطات الآن تحتوي على أكثر من 150 مليون طن نفايات البلاستيك، ومن المتوقع أن يفوق حجم البلاستيك حجم الثروة السمكية في البحار بحلول عام 2050. ومن المقلق حقاً أن نفايات البلاستيك في بعض المناطق البحرية قد فاقت الكتلة الحيوية للعوالق بستة أضعاف. والعوالق هي القاعدة الأساسية التي تبدأ منها أي سلسلة غذائية في البيئة البحرية.
وعليه فإن المياه المعبأة قد لا تكون آمنة للشرب وربما يكون الأفضل البحث عن بدائل. أضف الى ذلك أن زجاجات البلاستيك نفسها التي قد تظل فترات طويلة في المستودعات صارت الآن من أكبر ملوثات البيئة في كل دول العالم، إذ تستغرق 1000 سنة للتحلل الكامل وتفرز كيماويات ضارة اثناء تحللها تسبب الكثير من المشاكل الصحية، خاصة تلك المتعلقة بالإخصاب وأمراض السرطان. فهل من بدائل؟
إن تركيب فلتر آمن بالمنزل وحمل الماء في أواني قابلة لإعادة الاستخدام، من البدائل المتوفرة حالياً ولكن من واجبنا جميعا أن نقلل من استخدام البلاستيك والتخلص منه تدريجياً من أجل صحتنا وصحة بيئتنا، وخاصة أن المجتمع الدولي احتفل هذا العام بيوم البيئة العالمي رافعا شعاراً لقضية بيئية أفرزتها الحياة المدنية والصناعية المعاصرة، ألا وهي قضية استخدام البلاستيك والتي أصبحت تشكل إحدى التحديات البيئية الكبرى في وقتنا الراهن.