يُعرَّف اللعب الحسي بأنه الأنشطة التي تُحفِّز حواس الطفل الخمس والتوازن والإدراك المكاني, فضلاً عن التحفيز الحركي والاجتماعي، تتلخص أهمية اللعب الحسي كما يلي:
- تطوير المهارات الحركية الدقيقة والكبيرة:و التي تمثل جانبًا أساسيًا في نمو الطفل، حيث تُساعده على التحكم في عضلات اليدين والأصابع، مما يعزز استقلاليته وقدرته على أداء المهام اليومية مثل تناول الطعام وارتداء الملابس. إلى جانب ذلك، تُساهم هذه المهارات في تطوير قدراته الأكاديمية من خلال تحسين مهارات الكتابة والرسم واستخدام الأدوات المناسبة لعمره مثل المقص، مع تعزيز التآزر البصري والعضلي.علاوة على ذلك، تُعزز هذه المهارات الإبداع والتعبير عن الأفكار، وتدعم النمو البدني، فضلاً عن إعداد الطفل للتعامل مع متطلبات الحياة المستقبلية، مثل استخدام التكنولوجيا.
- تعزيز الإدراك وتحسين مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال وقدرتهم على حل المشكلات وتفسير العالم من حولهم والتفاعل مع بيئتهم وفهم العلاقات بين الأشياء.
- تنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية: فمن خلال التفاعل مع الأقران والتعبير عن مشاعرهم، يتطور لدى الأطفال مهارات التواصل والتعاون وحل المشكلات، مما يعزز ثقتهم بأنفسهم.
- تعزيز الاستقلالية: وذلك من خلال الاستكشاف والتجربة، حيث يكتسب الأطفال شعورًا بالإنجاز والأثر والقدرة على اتخاذ القرارات.
- دعم العمليات الإدراكية وتعزيز التركيزوالتفكير الإبداعي.
- تطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحد ومتلازمة داون: فبالنسبة لأطفال التوحد، يساعد اللعب الحسي على تهدئة أو تنشيط الأحاسيس المفرطة وتقليل القلق وتحفيز التواصل وتقليل السلوكيات النمطية. أما أطفال متلازمة داون، فيدعم اللعب الحسي تطوير مهاراتهم الحركية الدقيقة،مما يعزز استقلاليتهم وثقتهم بنفسهم ويحسن الانتباه والذاكرة، كما ويحفز النمو اللغوي من خلال الأنشطة التفاعلية مثل تسمية الأشكال والألوان.
اللعب الحسي والتشابكات العصبية
تعد التجربة الحسية الغنية من أبرز العوامل التي تعزز التشابكات العصبية (Neuronal Synapses) في الدماغ. حيث أشارت الأبحاث إلى أن التجربة الحسية الغنية تُحفز (Neuroplasticity)، وهي قدرة الدماغ على تشكيل وتعديل الروابط بين الخلايا العصبية استجابةً للتعلم والخبرات الجديدة ما يساهم في تحسين وظائف الإدراك العليا، مثل حل المشكلات، والذاكرة، والانتباه. كما أظهرت أبحاث تصوير الدماغ أن الأطفال الذين يعيشون في بيئات غنية بالحوافز الحسية كالألعاب المتنوعة والمناطق المفتوحة والمحفزات الصوتية والبصرية، يتمتعون بأنماطٍ أكثر تعقيدًا من النشاط الدماغي مقارنة بأقرانهم الذين يتعرضون لبيئات فقيرة حسيًا. يرتبط هذا التأثير مباشرة بزيادة مستويات عوامل النمو العصبي، مثل عامل التغذية العصبية المشتق من الدماغ (BDNF)، الذي يلعب دورًا حاسمًا في دعم بقاء الخلايا العصبية، وتعزيز نمو التشابكات العصبية. لذلك، من الناحية التربوية والتطبيقية، ينصح العلماء والخبراء بتوفير بيئات تعليمية تفاعلية وغنية للأطفال والكبار على حد سواء، تشمل التعلم العملي، والمشاركة في الأنشطة الحركية، والتعرض للموسيقى والفنون، باعتبارها أدوات فعالة لتعزيز صحة الدماغ ونموه.
لماذا اللعب الحسي؟
في ظل التقدم الحضري والتقني ومع تغير طبيعة المنازل والأبنية، بات الأطفال يقضون وقتًا طويلاً أمام الشاشات وفي داخل المنازل، مما أدى إلى تقليل فرص تفاعلهم مع الطبيعة وانخراطهم في أنشطة حسية, مما يؤدي إلى تأخر نموهم الحسي والحركي، وزيادة في معدلات السمنة والمشكلات الصحية والنفسية الأخرى. لذلك، أصبح إعادة دمج الأنشطة الحسية في حياة الأطفال اليومية ضرورة لتعويض هذا النقص.
ماذا تقول الدارسات في هذا الصدد؟
أشارت دراسات إلى أن الأنشطة الحسية تُعزِّز التطور المعرفي والعاطفي للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.كما وجدت دراسة أخرى أن التفاعل المنتظم مع الطبيعة يحسن من الإدراك الحسي ويعزز النمو الشامل للأطفال .وبينت أبحاث أخرى أن الأطفال الذين يلعبون في الطبيعة يظهرون تطورًا ملحوظًا في مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات مقارنةً بأقرانهم الذين يقتصر لعبهم على البيئات المغلقة. من جهتها، أكدت مراجعة علمية أن اللعب الحسي في الطبيعة يساعد في تحسين الانتباه لدى الأطفال الذين يعانون من (ADHD), بينما أشارت دراسة أخرى إلى أن اللعب في الهواء الطلق يُعزِّز المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى الأطفال.
دور الطبيعة
توفر البيئات الطبيعية تجارب حسية متنوعة يصعب تقليدها داخل المنزل, فملمس الأوراق ومشهد المياه المتدفقة – كل هذه المحفزات تساهم في تجربة حسية غنية. وقد أظهرت الدراسات أن اللعب غير المنظم في الطبيعة يعزز النمو المعرفي والإبداعي والبدني والاجتماعي والعاطفي كما يُسهم في رفع مستوى ذكاء الأطفال.
توفر أنشطة الطبيعة مثل الرحلات الجبلية فوائد تنموية لا تُقدر بثمن. فيما يلي بعض الفرص التي توفرها الطبيعة للعب الحسي مما يجعلها بيئة مثالية لتعلم الأطفال ونموهم الشامل :
- تنوع المحفزات الحسية: يُسهم التفاعل مع عناصر الطبيعة في تنمية الحواس لدى الأطفال بشكل متكامل. فالتعامل مع التربة والماء والركض على العشب أو المشي على الحصى من غير أحذية يعزز حاسة اللمس، بينما تُحفِّز المناظر الطبيعية المتنوعة والمتغيرة, التطور البصري وتُسهم في القدرة على التمييز بين التفاصيل. من جهة أخرى، تُقدِّم أصوات الطبيعة تجربة سمعية تُعزِّز الانتباه والتمييز السمعي. كما تساهم الروائح الطبيعية مثل رائحة التربة بعد المطر في تنمية حاسة الشم، بينما يُمكن للأطفال قطف الثمار وتذوقها لتنمية حاسة التذوق.
- تشجيع الاكتشاف والإبداع: تقدم الطبيعة مساحة مفتوحة وحرة للاطفال لاستكشاف البيئات وتطوير خيالهم وتنمية مهارات التفكير الإبداعي وحل المشكلات.
- تعزيز الصحة النفسية: يقلل قضاء الوقت في الطبيعة من التوتر والقلق، كما ويعزز الشعور بالراحة والاسترخاء وصحة الأطفال النفسية.
- تطوير المهارات الحركية: يُسهم اللعب في الطبيعة، مثل الركض وتسلق الصخور والزراعة, المهارات الحركية الكبرى والتوازن ويساعد في بناء الوعي البيئي لدى الأطفال. كما يُعزِّز التعامل مع عناصر الطبيعة المهارات الحركية الدقيقة والتآزر البصري والحركي.
- التفاعل الاجتماعي والتعاون: تُوفِّر الطبيعة مساحة للعب الجماعي.
- التعلم المباشر والتجريبي: من خلال الاستكشاف والملاحظة المباشرة.
- تقليل التحفيز الصناعي: يسمح الابتعاد عن الشاشات والمحفزات الصناعية للأطفال بالتركيز على التجارب الحسية الطبيعية.
- تطوير الشخصية والتنظيم الذاتي: من خلال استكشاف المشاعر وتعزيز الانضباط الذاتي، يتعلم الأطفال كيفية التعبير عن أنفسهم والتعامل مع مختلف الجوانب للحياة. كما يُسهم اللعب في تعزيز الذكاء العاطفي وذلك من خلال التفاعل الاجتماعي أثناء اللعب، واكتساب مهارات مثل إدارة النزاعات، والتعاطف مع الآخرين، وبناء علاقات صحية.
أهمية الرحلات الاستكشافية للطبيعة
تُعتبر الرحلات الاستكشافية إلى الطبيعة تجربة فريدة للأطفال للتعرف على بيئات وتضاريس متنوعة، حيث توفر فرصًا غنية لتحفيز الحواس وتنمية مهارات القيادة والتفكير النقدي. فمن خلال مواجهة تحديات جديدة مثل التنقل في المسارات الطبيعية، يتعلم الأطفال كيفية اتخاذ قرارات فعّالة، وحل المشكلات، والتكيف مع الظروف المتغيرة. كما تساهم هذه التجربة في تعزيز التشابكات العصبية في الدماغ، مما يحسن قدراتهم الإدراكية ويعزز إبداعهم. بالإضافة إلى ذلك، تُسهم الرحلات الجبلية في تعزيز شعور الأطفال بالإنجاز وتقدير الذات.
خاتمة
في ظل المتغيرات الحديثة والابتعاد المتزايد عن الطبيعة، أصبح من الضروري تعزيز فرص اللعب الحسي للأطفال خاصة في البيئات الطبيعية. لذا، يجب على الآباء والمربين تشجيع الأطفال على الانخراط في أنشطة حسية متنوعة، والاستفادة من الطبيعة كمعلم ومصدر إلهام لا يُضاهى.