شهر رمضان محطة للتزود بالوقود ومساحة لتغيير نمط الأستهلاك والعيش ببساطة على هذا الكوكب. أن سبب الأزمة البيئية وأزمة الماء والطاقة والغذاء هو فشل الإنسان في مُهمة الخلافة وادراك دوره الحضاري كشاهد ومستخلف. التحول نحو الأستدامة يتطلب تغيير أنماط الأنتاج والأستهلاك للتصدي للفقر والتغير المناخي وهذا يستلزم التحول الكلي في نمط التنمية والعيش و تسخير المعرفة المحلية و الإبتكار والقيم والأخلاق وتطير نماذج محلية للتنمية الطيبة من خلال الحراك الأخضر أو الجهاد، و الإبتكار الأخضر أو الاجتهاد، و أسلوب الحياة الأخضر أو الزُهد كما هو موضح أدناه.
الحراك الأخضر يعني النضال ضد الإختلالات و الظلم و الفساد التي تُخِل بالحياة وبالفطرة والطبيعة. يجب على المجتمع المسلم أن يُظهِر الأسلوب الأمثل و المتوازن للحياة كأمة وسط بعيدا عن الأفراط والتفريط لقوله تعالى “وكلوا وأشربوا ولا تسرفوا”. إن الدور الرئيسي للأمة الوسط هوتقديم وتجسيد نماذج مستدامة للحياة عبر الكلمة الطيبة والبلد الطيب والتنمية الطيبة. والسؤال هو الى اي مدى نستمد من رمضان هذه الطاقة المتجددة للتحول في الوعي والأدراك والعيش والتعاطف والتراحم والبر.
شهر رمضان يمثل وسيلة للوصول والأرتقاء الى درجة الإحسان والذي يعبر عن حالة الجمال الداخلي الذي ينعكس إلى الخارج، و يحوِّل كل نشاط إنساني إلى فن، و يحوِّل كل فن إلى ذكر لله تعالى. يتّصل مفهوم الجمال إتصالا حميما بالله تعالى، و يمكن أن يتجلى الإحسان من خلال العطاء للمحتاجين والرحمة للعالمين بل ويتعدى ذلك الى التصالح مع المحيط الخارج وتقدير قيمة الجمال من هندسة العمارة و الحدائق و الخط العربي.
يُعتبر الحراك الأخضر في جوهره قوة إيجابية هادفة لضمان التوازن و الفطرة و حماية مجتمع الحياة و لضمان الطيبة و العدالة ونصرة الحق والمظلوم والضعيف. فنحن البشر عندما نسبب تهديد لأي كائن حي فنحن في الواقع نُسكِت فئة كاملة من المسبِّحين لله، أو ما أسمِّيه إزعاج أو خلل لسمفونية الحياة. يُخبرنا القرآن الكريم أن الإنسان عندما يسيئ إستخدام القوة فهذا يؤدي إلى تدهور كل من رأس المال الطبيعي و رأس المال الإجتماعي لقوله تعالى “فهل عسيتم ان توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم”. إن شهر رمضان يمثل منتدى انساني للتعاطف الأنساني والحوار بالكلمة الطيبة في عصر الفوضى التي نعيشها. لأن المسلمين يشكِّلون جزءا من المجتمع المدني العالمي، فهذا من شأنه أن يُعزِّز دورهم كسفراء للتغيّر من أجل السلام العالمي و الديمقراطية و الحرية والعيش المستدام من خلال احياء ومأسسة الزكاة والصدقات والوقف واحياء الأرض الموات.
و بالتالي، فإن التصدي لقضية تغيّر المناخ والفقر من منظور إسلامي يتطلب ادراك الأنسان لدوره وغايته كشاهد ومستخلف في الأمة الوسط. شهر رمضان هو المقياس والباروميتر الذي نتوق اليه لضمان الإنسجام و التوازن والتراحم والعطاء والزهد. شهر رمضان هو امتحان للخيارات البشرية وتغليب المصلحة العامة على الأنا حتى لا “يهلك الحرث والنسل” ولا نصل لحالة “بئر معطلة وقصر مشيد” بما كسبت أيدي الناس. لقد حدث إختلال في هذا التوازن نتيجة لإختيارات الإنسان التي أدت إلى الإستهلاك المفرط و و الإفراط في إستخدام الموارد ولكن هناك فرصة للعودة والتعلم من عظة التاريخ “لعلهم يرجعون”. إن البعد الأخلاقي للإسلام يتمثل في تطوير الوعي الجديد لحالة التصالح مع النفس والآخر والمحيط.
شهر رمضان دورة عملية ميدانية لتأكيد مفهوم الزهد و الحد من الإسراف و التبذيروتقدير نعم وخيرات الله الظاهرة والباطنة، وهذا التأمل في أحوال البلاد والعباد يحفز على الإبتكار لتوليد فقه الواقع والموازنات والمآلات والمصلحة العامة.
خلاصة القول ان رمضان فرصة للتحول الى نمط الحياة الخضراء و التنمية المحلية الطيبة التي تعمل على المحافظة على الموارد كوسيلة للحياة و تدعم نماذج إنمائية صغيرة لعلنا نشكر ونرشد بعد أن نرنتقي لمرتبة التقوى.
أ.د عودة الجيوسي – مستشار دولي في التنمية المستدامة