التقييم البيئي الاستراتيجي كأداة للتخطيط ودمج مفهوم الاستدامة في التنمية في الأردن

يسعى الأردن لإيجاد وصفة خاصة به للتخطيط المستدام، حيث يتم حاليا تطبيق ريادي لمفهوم التقييم البيئي الاستراتيجي (Strategic Environmental Assessment)  كأداة للتخطيط وإدارة المناطق التنموية والمناطق الاقتصادية الخاصة. التقييم البيئي الاستراتيجي هي عملية منهجية لتقييم الآثار البيئية للسياسات والاستراتيجيات المقترحة أو للمخططات الشمولية للتأكد من تضمين وادراج كافة الاعتبارات  البيئية بالتوازي مع الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية خلال المراحل المبكرة من التخطيط من قبل صناع القرار.

باستخدام نموذج فريد من نوعه، أعدت المملكة الأردنية الهاشمية دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي (SEA) وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية (SEMP) لمنطقة البحر الميت التنموية والتي تم اعلانها كمنطقة تنموية في عام 2009 لجذب الاستثمارات  النوعية ذات القيمة المضافة وللمساهمةفي توزيع المكاسب الاقتصادية والتنموية على المجتمعات المحلية المحيطة بها. على الرغم من أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديها أنظمة راسخة للـ ((SEA، إلا أن هذا التطبيق والتجربة الأردنية تم تصميمها لتتوافق وتعكس خصوصية منطقة البحر الميت التنموية حيث أدرجت جوانب محددة وخاصة في تلك الخطة لتقديم هذا المشروع كنموذج إقليمي / دولي في مجال دمج مفهوم الاستدامة. أهم الفوائد الرئيسية لـ SEA ما يلي:

تعزيز استدامة الموارد الطبيعية

الحد من الأخطاء المكلفة في مرحلة التخطيط

المحافظة على الوقت والمال

تبسيط إجراءات تقييم الأثر البيئي للمشاريع

تعزيز المواءمة بين المخططات الشمولية

تعزيز استراتيجيات التنمية

تحسين كفاءة القطاع العام، و

تعزيز المصداقية في صنع القرار

المخرجات  الرئيسية

للعديد من السنين، أولى الأردن القضايا البيئية أهمية خاصة والدفع باتجاه كسب التأييد ووضعها على أجندة مختلف الجهات ذات العلاقة، من مؤسسات حكومية، القطاع الخاص، ومؤسسات المجتمع المدني. في حين أن هذه الجهود قد نجحت في بعض القطاعات، فإنه ليس سرا أنها لم تنجح تماما في العديد من الجوانب الأخرى. هنالك جدل واسع حول أن السياسات والخطط البيئية بذاتها ليست كافية عندما يتعلق الأمر بمساواتها بالاحتياجات التنموية الاقتصادية والاجتماعية. الفقرات التالية تسلط الضوء على الدروس المستفادة من التجربة الأردنية في التقييم البيئي الاستراتيجي لمنطقة البحر الميت التنموية:

لا ‘مفاجآت’ بيئية للمطورين / المستثمرين

إن الهدف من تبني عملية التقييم البيئي الاستراتيجي هو ضمان دمج واعتماد الاعتبارات البيئية خلال المراحل الأولى من إعداد الخطط الرئيسية والبرامج التنموية لتعزيز التنمية المستدامة. إن عملية إعداد أو تعديل المخطط الشمولي يجب أن تنفذ في موازاة مع عملية تقييم الآثار البيئية المحتملة بحيث يتم دمج القضايا البيئية في المخطط بشكل تكاملي خلال عملية الإعداد منذ البداية.

الأمر الذي بدوره يؤدي إلى على عدم ظهور أي “مفاجآت” بيئية لفريق إعداد المخطط الشمولي، وعدم وجود “مفاجآت” تنموية لفريق التقييم البيئي الاستراتيجي، وبالتالي عدم هدر موارد مالية إضافية على التصاميم التي تواجه تحديات بيئية. فإن النتيجة الرئيسية للتقييم البيئي الاستراتيجي ستكون مخططات شموليه تحترم القدرة الاستيعابية البيئية للمنطقة، وبالتالي تجنب أو تقليل أو التعويض عن الآثار البيئية الكبيرة المحتملة من المشاريع الاستثمارية.

توجيهات واضحة لبرامج التنمية

إن التقييم البيئي الاستراتيجي وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية تتضمن  تفاصيل كافية للاسترشاد بها خلال إعداد المخطط الشمولي ومشاريع التنمية. حيث أنها توفر الأهداف البيئية المحددة التي يتم استخلاصها من الأهداف الوطنية والاعتبارات الخاصة لأي منطقة تنموية. إن إشراك كافة الشركاء وأصحاب المصلحة في عملية إعداد التقييم البيئي الاستراتيجي يعتبر من أحد عوامل النجاح الرئيسية. حيث يجب تحديد المجموعات الرئيسية والمؤسسات، والمستثمرين الأجانب، والوكالات البيئية والمنظمات غير الحكومية، وممثلين عن القطاع العام، بالإضافة إلى الجماعات التي يحتمل أن تتأثر من الآثار البيئية المتوقعة من تنفيذ المخطط الشمولي ويجب إشراكهم والتشاور معهم خلال عملية الإعداد. ونظرا للطبيعة الفريدة لمنطقة البحر الميت فقد تم تنظيم وعقد العديد من المشاورات وعلى كافة المستويات بما في ذلك الوزراء المعنيين.

الحكم الرشيد ومشاركة القطاع الخاص

إن عملية التقييم البيئي الاستراتيجي تضع عبء حماية البيئة على كاهل الحكومة خلال الاعداد. الا انه ومن خلال خطة الادارة البيئية الاستراتيجية المقترحة، يتم تعريف أدوار ومسؤوليات الإدارة البيئية بوضوح المترتبة على  الجهات التنظيمية والرقابية، والمطورين والمستثمرين، فضلا عن بعض المنظمات غير الحكومية. إن التنسيق المؤسسي ومبادئ الحكم الرشيد يتم تغطيتها عادة في الاتفاقات التعاقدية ومذكرات التفاهم لضمان التنفيذ السليم.

اضافة الى ذلك، فقد تم إعطاء الصفة القانونية لكل من دراسة التقييم البيئي الاستراتيجي وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية استنادا للإطار التشريعي للمناطق التنموية، والذي يعتبر اول بادرة أو محاولة من نوعها في الأردن تجعل التقييم البيئي الاستراتيجي متطلبا قانونيا للحصول على الموافقات والرخص اللازمة على المخطط الشمولي والمشاريع اللاحقة. طوال عملية إعداد وتنفيذ الدراسة SEA وSEMP، اكتسبت الجهات التنظيمية الحكومية ، والخبراء الاستشاريين والمخططين والمطورين والمنظمات غير الحكومية العديد من الخبرات والكثير من المعرفة.

تجاوز حدود الامتثال البيئي

نظرا للطبيعة الحساسة لبيئة منطقة البحر الميت، تم تجاوز المتطلبات التنظيمية في منطقة البحر الميت وتم اعتماد ودمج  تدابير إضافية للاستدامة البيئية خلال عملية التقييم البيئي الاستراتيجي  واعداد خطة الإدارة البيئية الإستراتيجية. فعلى سبيل المثال، تعزيز كفاءة استخدام الطاقة بنسبة 30٪ وكفاءة استخدام المياه بنسبة 20٪ سيجعل من منطقة البحر الميت التنموية مقصدا حقيقيا للسياحة المستدامة في العالم. إن تلك التجربة الريادية يجب أن تكون بمثابة نموذج وطني يحتذى به من قبل الآخرين لتحقيق الأهداف الوطنية لقطاع المياه وأهداف كفاءة استخدام الطاقة ليس فقط على المستوى الوطني بل على مستوى المناطق (المحافظات).

تعزيز الشراكات

توفر الدعم وضمان الاهتمام من قبل الجهات الحكومية ضروري لجعل التقييم البيئي الاستراتيجي وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية حقيقة وواقع. إن العناصر التالية: المياه والصرف الصحي والنفايات الصلبة وعناصر البنية التحتية للطاقة هي عناصر حاسمة لنجاح وتحقيق الأهداف البيئية المحددة. يجب تكثيف الجهود للبحث عن آليات التمويل المبتكرة والتي تهدف إلى التحول الى البنى التحتية “الخضراء” التي تعزز استدامة الموارد وتخفف الآثار البيئية في المنطقة بما في ذلك اليات  الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

الجاهزية الوطنية، والتوعية، وبناء القدرات

من الواضح أن المعرفة والمهارات اللازمة لإعداد التقييم البيئي الاستراتيجي وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية تختلف قليلا عن تلك اللازمة لإعداد دراسات تقييم الأثر البيئي للمشاريع الفردية. حيث تشترط الإجراءات الوطنية ومنذ ما يزيد عن عشر سنوات من كافة المستثمرين والمشاريع الكبرى إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي واتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة قبل منح الموافقة البيئية. ومع الزمن أصبحت الشركات الاستشارية التي تقدم هذه الخدمة أ تستخدم نموذج تقييم الأثر البيئي مع نسبة ضئيلة أو معدومة من التطرق لموضوع التقييم البيئي الاستراتيجي وخطة الإدارة البيئية الإستراتيجية والأدوات الأخرى المتعلقة بدمج الاستدامة البيئية.

لوحظ خلال جلسات التشاور المتعلقة بالتقييم البيئي الاستراتيجي وبحضور العشرات من ممثلي المنظمات غير الحكومية والخبراء الوطنيين، أن الغالبية العظمى لا تزال تميل نحو النظر الى الامور من مفهوم  تقييم الأثر البيئي على مستوى المشاريع الفردية وبدون توسيع البحث في  الآثار القطاعية والاستراتيجية على مستوى الخطة / السياسة / المخطط الشمولي. اما الجهات التنظيمية  فهي بحاجة إلى مراجعة واعتماد التقييمات البيئية الاستراتيجية مع ضرورة وجود نظره أكثر إستراتيجية وشمولية حول الآثار المحتملة.

الاستنتاجات

بدأ تطبيق التقييم البيئي الاستراتيجي في الأردن بالتوسع إلى مناطق وقطاعات تنموية أخرى، وهذا سوف يغير من طبيعة التخطيط في المملكة إلى الأفضل وسوف يضع الأردن في موقع رائد على المستوى الإقليمي في مجال تعميم المنظور البيئي والتخطيط المستدام. من الممكن  تصميم  نهج مشابه لتقييم آثار الاستدامة البيئية من خطط التنمية المجتمعية الحضرية / القطاعية واقتراح دلائل ارشادية لتعزيز الامتثال بل وتجاوزه نحو تنمية اكثر استدامة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا.

ترجمة: مها الزعبي, طالبة دكتوراه( كلية التصميم البيئي –  جامعة كالجري, كندا)

author avatar
Ruba Al-Zu'bi
Ruba Al Zubi is a Sustainability Policy and Governance Advisor/Expert. She is a staunch advocate for policy-enabled action and has gained a unique experience in the areas of policy and planning, institutional development, sustainability mainstreaming into economic sectors, donor relations and research and innovation management. She recently served as Advisor to the President for Science Policy and Programme Development, Royal Scientific Society (RSS – Jordan). Prior to that, Ruba led the Scientific Research Department at Abdul Hameed Shoman Foundation, served as the first Policy Director at the Ministry of Environment, established and led several departments at the Development and Free Zones Commission, and served as the Chief Executive Officer of EDAMA Association for Energy, Water and Environment. In the nonprofit world, Al Zubi is a Plus Social Good Advisor with the United Nations Foundation and a Founding Member of Jordan Green Building Council. She is a global volunteer, mentor, speaker and blogger.
Tagged , , , , , , , , , . Bookmark the permalink.

About Ruba Al-Zu'bi

Ruba Al Zubi is a Sustainability Policy and Governance Advisor/Expert. She is a staunch advocate for policy-enabled action and has gained a unique experience in the areas of policy and planning, institutional development, sustainability mainstreaming into economic sectors, donor relations and research and innovation management. She recently served as Advisor to the President for Science Policy and Programme Development, Royal Scientific Society (RSS – Jordan). Prior to that, Ruba led the Scientific Research Department at Abdul Hameed Shoman Foundation, served as the first Policy Director at the Ministry of Environment, established and led several departments at the Development and Free Zones Commission, and served as the Chief Executive Officer of EDAMA Association for Energy, Water and Environment. In the nonprofit world, Al Zubi is a Plus Social Good Advisor with the United Nations Foundation and a Founding Member of Jordan Green Building Council. She is a global volunteer, mentor, speaker and blogger.

2 Responses to التقييم البيئي الاستراتيجي كأداة للتخطيط ودمج مفهوم الاستدامة في التنمية في الأردن

  1. abdul hakeem. says:

    Its good and hope more knoledge

  2. Abd Harrouzi says:

    je crois que y faut créer une autre conception de développement durable par les modéles naturelles de désalinisations des eaux et créations d’énergie dans des villages écologiques rentables à autonomie d’énergie

Share your Thoughts

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.