الإستدامة البيئية يتفاعل الحديث عنها بدراية وبدون دراية، وصار الحديث بشأنها موضة العصر إذ أضحت محط حديث العارفين وغير العارفين بمعانيها وابعادها في منظومة الامن البيئي، و الإستدامة البيئية منتج فعلي للسلوك المستدام، وتمثل في بعدها ثقافة ومسؤولية قبل ان تكون إجراء قانوني واداري، برغم ان ذلك مطلب لتوفير القواعد المؤسسة لبناء نظام الحماية الكفيل بصون السلوك المستدام في العلاقة مع النظم البيئية.
وعندما نشير الى ذلك فإننا ننطلق من واقع مشاهد الخلل في عدم الالتزام بالقواعد القانونية والادارية الوطنية والاقليمية والدولية المنظمة للسلوك البشري مع النظم البيئية، إذ انه برغم وجود القواعد التشريعية والتعاقدية والتوافقية والعرفية نشهد اتساع رقعة الفجوة في عملية تطبيق القواعد والانظمة المعتمدة وطنيا واقليميا ودوليا، ويعزى ذلك الخلل في عملية الالتزام الى غياب المسؤولية الاخلاقية التي تمثل الضمير البيئي الانساني الغائب في حسابات قطاع كبير من المجتمع في بعده الشامل.
هنا يمكن القول ان غياب المسؤولية الاخلاقية تتسب في انعدام الضمير البيئي وذلك يمثل السبب المباشر في ما يشهده كوكبنا من دمار شامل الذي خرج من إطاره المناطقي والوطني والإقليمي متخذا مساره الشامل على مستوى المعمورة بفعل ما نشهده من ممارسات غير مسؤولة في احداث بؤر الحروب المدمرة للبيئات الطبيعية والانسان، وصناعة اسلحة الدمار الشامل، وادخال المواد الخطيرة في الاستخدامات المدنية، وتبني السياسات الصناعية ذات الاثار الكارثية على المحيط البيئي للانسان، والاستغلال الكارثي الجائر والجاني للموارد البيئية، ما يضع البشرية في بؤرة الخطر البيئي الذي يمثل مصدر التهديد الفعلي للامن البيئي للمجتمع البشرية.
لذلك بناء السلوك المستدام في حاجة الى ثورة في واقع القيم المجتمعية والاشتغال على اصلاح الضمير البيئي للانسان والارتقاء بوعيه المسؤول في جوانب ممارساته وإستراتيجياته الاقتصادية والصناعية المضرة بالامن البيئي، وتحجيم ثقافة الانانية في بعد مفهومها في تفضيل المصالح الذاتبة الضيقة على مصالح الحق الانساني، أخذا في الاعتبار ان ذلك النهج يؤسس للممارسات الخطيرة في آثارها على النظام البيئي الكوني، ويتسبب في الاخلال بمعايير الامن البيئي لكوكب الارض.
خلاصة القول ان بناء السلوك المستدام معادلة مرتبطة باصلاح الضمير وتعزيز قيم الاخلاق في مكون السلوك الانساني في بعده الشامل، وان ذلك الجهد مسؤولية مشتركة لقامات الفكر الاجتماعي والسياسي والديني والبيئي ومفكري العلوم الانسانية، وبدون توفر ذلك الجهد فان الحديث عن السلوك المستدام ضرب من الخيال.